الخطوة التي اتخذها رئيس جمهورية العراق برهم صالح بالتخلي عن الجنسية البريطانية، التي كان يحملها وخروجه من نادي المسؤولين مزدوجي الجنسية، أثارت ردود أفعال متناقضة وآراء مؤيدة وأخرى مشككة على الصعيدين العراقي والعربي. ففي حين أشاد نشطاء بتنازل صالح عن جنسيته البريطانية وعدّوا ذلك خطوة “جيدة واستثنائية في بلد يحمل معظم قادته جنسية ثانية”، شكك آخرون بما يطرحه واقع مزدوجي الجنسية بالنسبة للولاء وصحة شغل الوظيفة أو الموقع وشرعيته، خصوصا وأن مسؤولين عراقيين من مزدوجي الجنسية هربوا من العراق بعد استيلائهم على مليارات من ثرواته وأفلتوا من الحساب لتحصنهم بالجنسية الثانية، فضلا عما تثيره ظاهرة ازدواج الجنسية لدى المسؤولين من عديد الشكوك بشأن إخلاصهم لبلدهم ومدى ثقتهم في الحكومة التي يشاركون في تسييرها. ولكي نكون منصفين فإن مزدوجي الجنسية العراقيين اضطروا إلى ذلك بسبب مطاردتهم من السلطات الحكومية العراقية قبل عام 2003، ولكن مضت أكثر من 15 سنة إلى الآن من دون أن يتخلوا عن جنسياتهم التي اكتسبوها، مع أن الدستور نص في الفقرة الرابعة من المادة 18، على أنه “يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصبا سياديا أو أمنيا رفيعا التخلي عن أي جنسية أخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون”، لكن البرلمان العراقي لم يشرّع أي قانون يلزم المسؤولين باحترام ما جاء في الدستور والتخلي عن الجنسية الثانية، بل إن بعض السياسيين الذين لم يتسن لهم الحصول على الجنسية الأجنبية تسابقوا، بعد عام 2003، لشراء جنسية أجنبية، ولا تزيد قيمة الجنسية الثانية على مئة ألف دولار، ونوري المالكي مثالا. أما لماذا لم يشرع البرلمان قانوناً بهذا الخصوص، فالجواب واضح لأن لا أحد من هؤلاء يرغب بالعيش في العراق، فهو قد جاء ليؤمن يومه وغده من الرواتب المليونية ومن الرشاوى الخرافية، وتاليا فهو ليس مستعدا للتخلي، لا هو ولا أسرته، عن امتيازات التمتع بالجنسيتين. إذا صح أن برهم صالح أو غيره قد تنازل عن جنسيته الأجنبية، بعد مرور 15 عاما على عودته إلى البلاد، فلا يجد بعض الناس في موقفه هذا مأثرة، لأن بوسعه أن يحوز على غيرها عن طريق الشراء، فتتاح له حرية السفر إلى 125 دولة من دون تأشيرة. وحسب المعلومات المتداولة فإن قيادات كثيرة في أحزاب العملية السياسية والسلطات الثلاث منذ 2003 تتمتع بجنسية ثانية، ولو أجرينا جردا إحصائيا سنكتشف أن ما من أحد من هؤلاء إلا ولديه ضمانا خارجيا. ثم ما قيمة أن يتنازل اليوم عن جنسية ويبتاع غيرها في اليوم التالي؟ علما أن هناك مسؤولين يحملون أكثر من جنسية. ومع ذلك فقد طرح تخلي برهم صالح عن جنسيته البريطانية إعمالا للدستور، إشكالية بالنسبة للعديد من المسؤولين العراقيين الكبار، الذين يحملون جنسيات بلدان أخرى، إذ يحمل رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي الجنسية الفرنسية، كما يحمل العشرات من المسؤولين والوزراء العراقيين، جنسيات إيرانية وبريطانية وأميركية وكندية وأسترالية وغيرها، وقد تغاضى معظم هؤلاء عن تطبيق الدستور على أنفسهم، ولم يُقْدموا على التخلي عن جنسياتهم الأجنبية ليكون الرئيس هو أول من يفعل ذلك. لكن منع مزدوجي الجنسية من الحصول على بعض المناصب لن يكون أمرا سهلا في ظل وجود قيادات حزبية كبيرة تحمل جنسيات دول أخرى، فمعظم قيادات حزب الدعوة وأحزاب العملية السياسية تحمل الجنسية الثانية ويمكن أن يثير هذا الموضوع جدلا داخل البرلمان. إن من يريد الإصلاح وإيصاد أبواب الفساد عليه أن يعمل على تشريع يمنع مزدوجي الجنسية من تولي المناصب الحكومية العليا، فقد شهد العراقيون هروب محافظ البصرة ماجد النصراوي، إثر استدعائه للتحقيق في ظل شبهات وتُهم فساد طالته، مستفيدا من جواز سفره الأسترالي، وهروب وزير التجارة الأسبق، بريطاني الجنسية، فلاح السوداني، بعد أن حكمت عليه محاكم عراقية بتهم فساد في عقود وزارة التجارة وقبض عمولات ورشاوى بملايين الدولارات، وكذلك “تحرير وتهريب” وزير الكهرباء الأسبق، أيهم السامرائي، من سجنه، على يد قوّة عسكرية أميركية، بذريعة كونه مواطنا أميركيا، بسبب تهمة فساد كبرى قيل إن مبالغ الفساد فيها وصلت إلى سبعة مليار دولار في حينه،. ولكن قبل الجنسية وقبل أي شيء آخر، هل برهن هؤلاء على ولائهم للعراق خلال الـ15 عاما الماضية بما يعنيه الولاء من التفاني في العمل والأمانة في حماية المال العام والتضحية بالمصلحة الشخصية مقابل الحفاظ على مصلحة الوطن؟
مشاركة :