الرياض والقاهرة.. والنظام العربي الإقليمي

  • 12/25/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الرياض والقاهرة بمقدورهما إعادة صياغة ترتيب الأولويات بما يحمي الأمن القومي العربي ويواجه الإرهاب، فتوافقهما على حزمة المصالح ونوعية التهديدات يعني بناء جبهة عربية قادرة على المواجهة والتعاطي مع التحديات.. عند الحديث عن تكتل عربي حقيقي قادر على التعاطي مع التحديات الراهنة فإنه يعني ببساطة فكرة تأمين الدائرة العربية، ولذلك محق من يقول: إن المساس بأمن مصر أو السعودية هو مساس بالأمن القومي العربي. "مصر والسعودية تشكلان العمود الفقري لنظام إقليمي عربي مأزوم ويحتاج إلى رافعة لا يقدر على توفيرها سوى تحالف إستراتيجي بين البلدين"، وذلك برسم "علاقتهما الثنائية وفقاً لمتطلبات واحتياجات الأمن القومي". توافق الرياض والقاهرة هو بمثابة بناء تحالف عربي والزيارات المستمرة بين قيادات البلدين أسقطت اقنعة المتربصين وأصحاب بيع بضاعة التصيد. فالتقارب السعودي المصري يعني ترتيباً لأولويات ملفات المنطقة ومواجهة مشروعات النفوذ. أكتب من القاهرة بحكم أنني مشارك ضمن وفد مجلس الشورى في زيارة برلمانية لأرض الكنانة بمعية معالي رئيس المجلس، وبالتالي هي فرصة لتعميق العلاقات البرلمانية، وبما يعزز مصالح البلدين المشتركة. الزيارات البرلمانية بين البلدين لا تقل أهمية عن زيارات المسؤولين المتبادلة كونها تغطي مجالات متعددة وتدفع بالتنسيق والتعاون إلى مراحل متقدمة، وذلك بإزاحة أي عوائق أو مصاعب تواجه أي طرف. كان من المفترض أن أكون من ضمن المتحدثين مساء هذا اليوم في ندوة الدبلوماسية السعودية ضمن البرنامج الثقافي للجنادرية مع ثلة من الأساتذة الكبار يتقدمهم عميد الدبلوماسيين السعوديين د. نزار مدني، وغيره من أصحاب المعالي والخبراء في المشهد السياسي السعودي إلا أن الزيارة الرسمية للقاهرة حالت دون حضوري، وبالتالي تحقيق رغبتي بالاستماع لطروحات زملائي الضيوف، والاستفادة من تجاربهم الثرية شاكراً للجنة المنظمة دعوتهم لي بالمشاركة. على أي حال بالعودة إلى صلب الموضوع أقول إن المشهد الراهن يعكس حالته، فالواقع يقول: إن المشكلات العربية مزمنة بدليل إشكالية إدارة الأزمات/ التحالفات سواء داخل المحيط العربي أو في النطاقين الإقليمي والدولي. غياب الإستراتيجية العربية ساهم أيضاً في تعميق الشرخ ما وفر الفرص لقوى إقليمية في المنطقة لصناعة عمق إستراتيجي لها، فإيران وتركيا وإسرائيل تجد كل منها تعمل وفق أجندتها وعبر الضغط في مناطق عربية مجاورة لها أو من خلال تعميق الخلافات والصراعات العربية/ العربية. ما جرى ويجري في عالمنا العربي يدفعنا للقول وبمزيد من الشفافية: إنه ومنذ التحرر من الاستعمار لم يعش العالم العربي حالة من الانكشاف كما يعيشها اليوم. وطن عربي من اثنتين وعشرين دولة تواجه فيها تحديات وتختلف من مكان لآخر، ومنها ما هو داخلي وما هو خارجي، بعبارة أخرى تتعرض بعضها لعوامل تهديد خارجية وينزف بعضها الآخر من معاناته المزمنة الذاتية، فضلاً عن أن الوضع الإقليمي بات يتسم بدرجة كبيرة من السيولة السياسية وتسارع المتغيرات وهي بمثابة تحديات ما يحتم التعاطي معها ومواجهتها ببلورة رؤية إستراتيجية لا سيما فيما يتعلق بملفي الأمن القومي العربي ومواجهة الإرهاب. المتابع لما يجري بين البلدين يشعر بعزمهما على البناء على ما سبق، ووضع تفاهمات وخيارات إستراتيجية تخدم مصالحهما. تلحظ أن لديهما قناعة في أن التحالفات العربية التقليدية والقديمة لم تعد ذات جدوى لا سيما في صعود قوى إقليمية، ولذلك أصبح التحالف السعودي المصري مطلوباً لحماية الأمن القومي العربي عبر مواجهة المشروعات التي تحاك ما يخلق حالة من توازن القوى في المنطقة، وبالتالي ضرورة وجود سياسة عربية فاعلة تستطيع أن تملأ الفراغ والتحرك جدياً لإصلاح البيت العربي عبر خارطة طريق تحقق تطلعات الشعوب. الرئيس السيسي دائماً ما يؤكّد على مكانة السعودية الروحية ودورها الإقليمي وعمقها العربي وتأثيرها الدولي، كما أن مواقف القيادة السعودية العروبية والإنسانية مع الشعب المصري منذ عقود وإلى ما بعد ثورتي 25 يناير و30 يوليو، ودعمها القاهرة لتعود لموقعها الطبيعي لاسيما في هذا الوقت تحديداً كونها ضرورة إستراتيجية لاستقرار المنطقة. الرياض والقاهرة بمقدورهما إعادة صياغة ترتيب الأولويات بما يحمي الأمن القومي العربي ويواجه الإرهاب، فتوافقهما على حزمة المصالح ونوعية التهديدات يعني بناء جبهة عربية قادرة على المواجهة والتعاطي مع التحديات ما يعزز بناء منظومة العمل العربي المشترك ويدعمها لخير شعوبها.

مشاركة :