لماذا تستمر أزمة تشكيل حكومة عبدالمهدي في العراق؟

  • 12/29/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

مع بداية مرحلة تكليف السيد عادل عبدالمهدي لتشكيل وزارته الأولى وعد مبشرًا الشعب العراقي بشكل جديد لوزارته مرتكزًا على الكفاءات العلمية من الشخصيات المستقلة والبعيدة عن الحزبية المشتركة في العملية السياسية وأعضاء البرلمان الحالي. وقد أعلن ولأول مرة في العالم نافذة إلكترونية باسمه لاستقبال السير الذاتية للمواطنين العراقيين الراغبين في تشكيلته الوزارية الجديدة ومع التوافق السياسي بين الكتلتين الأكبر البناء والإصلاح لتقديم المرشحين المشاركين في تقسيم الحقائب الوزارية بين الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، وعاد السيد عبدالمهدي مضطرًا إلى نظام المحاصصة الحزبية لتقسيم الحقائب الوزارية بين الأحزاب والكتل السياسية ليتسنى لتشكيلته الوزارية نيل الثقة من البرلمان العراقي. وتبلور الدهاء الإيراني في صهر الكتلة السنية العربية المسماة المحور الوطني ضمن كتلة البناء الموالية للنظام الإيراني والتي استحوذت على معظم الحقائب الوزارية ومازالت مصرة على منصبي وزيري الداخلية والدفاع بعد معارضة كتلة «سائرون» لترشيح السيد فالح الفياض لوزارة الداخلية والمدعوم إيرانيا وتم عرقلة عملية التصويت على مرشح كتلة الوطنية بزعامة أياد علاوي الفريق الركن فيصل فنر الجربا ممثلاً للعسكريين المستقلين ومن ذوي الكفاءة العسكرية العالية وشغل مناصب مهمة في مجال الأمن الوطني والعسكري إلا أن كتلة البناء الصديقة لإيران عرقلت التصويت بتمريره في جلسة البرلمان لنيل الثقة وترشيح شخصية جديدة من صفوف كتلة المحور الوطني المنطوية تحت تكتل البناء المكونة من الحشد الشعبي وبعض الأحزاب الصديقة للنظام الإيراني. وتشكل وزارة العدل أيضًا عقبة جديدة أمام السيد عبدالمهدي لاختلاف الأحزاب الكردية على مرشح واحد لهذه الوزارة التي خُصصت للمكون الكردي بحسب نظام المحاصصة السياسية. قوبلت التشكيلة الوزارية الجديدة بعقبات صعبة وتميزت بصراعات سياسية متعددة وضعت السيد عبدالمهدي في ظروف محرجة نتيجة الضغوط الإقليمية والدولية الممثلة في الرغبات الإيرانية والأمريكية بدعم شخصيات وكتل مرشحة في تشكيلته الوزارية وتأتي الوزارات السيادية الكبرى الداخلية والدفاع عقبة مزمنة للتمسك بأسماء بذاتها عرقلة لاكتمال الوزارة الجديدة والتي تميزت أيضًا بطول مدة تشكيلها ومررت بطريقة التقسيط غير المريح ففي الجلسة الأولى للبرلمان للتصويت على تشكيلة وزارة عبدالمهدي في أكتوبر الماضي تم نيل الثقة على أربع عشرة حقيبة وزارية من أصل اثني وعشرين مرشحًا وزاريًا وفي المرحلة الثانية تم التوافق السياسي بين الكتل الحزبية على تمرير ثلاث وزارات من التشكيل الوزاري وتأجيل التصويت على خمس وزارات واستمر ماراثون التصويت البرلماني على منح الثقة المجزأة لوزارة عبدالمهدي بالتصويت بالموافقة على وزارتين خدميتين وبقيت العقبة الكبرى في الوزارات السيادية المهمة الثلاث العدل والدفاع والداخلية نتيجة الصراع الظاهر بين كتلتي «سائرون» بزعامة الصدر و«الفتح» بزعامة العامري وبالتحديد على مرشح وزارة الداخلية السيد فالح الفياض وتم التوافق على عرض اسمه للتصويت عليه من عدمه في الجلسة القادمة للبرلمان العراقي. إن شخصية السيد عبدالمهدي غير المنتمية إلى أي كتلة سياسية كبرى وقوية ومؤثرة داخل البرلمان تجعله مقيدًا وضعيفًا في اتخاذ قرارات سيادية تتجه إلى المصالح العليا لدولة العراق لمحاربة الفساد الإداري والمالي وتحريك عجلة الإصلاح والتغيير الشامل لبناء مؤسسات الدولة بالشكل الصحيح لوجود عقبات صلبة مكونة من المليشيات المسلحة والأجهزة الأمنية المنفذة في كل أنحاء الجغرافيا العراقية والموالية للنظام الإيراني وتنتمي عقائديًا إلى المذهب «الاثنا عشرية» الممثل بتقليد مرجعية المرشد الأعلى خامئني الإيراني بعد امتداد نفوذ الحشد الشعبي إلى الجهة الغربية من الموصل حتى الأنبار مرورًا بكل المنطقة السنية العربية والتي كانت معادية للنفوذ الإيراني في جسم السلطة العراقي وأصبح وجود مراكز الحشد الشعبي في تلك المناطق أداة كبح لكل معارضة للنفوذ الإيراني وقد أبرزت الانتخابات الأخيرة (2018)، بروز تأثير الحشد الشعبي ومكاتبه المنتشرة في المنطقة الغربية التي كانت مغلقة تمامًا لأبناء الطائفة السنية والمناهضة بقوة للوجود الإيراني في العراق، فازت كتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي والمؤيدة للنفوذ الإيراني والمتنفذة في مؤسسات السلطة من خلال الحكومة العراقية بثلاثة مقاعد برلمانية في موطن رأس الرئيس الراحل صدام حسين! وهذا الحدث يعطينا مؤشرًا فعليًا لنجاح الاستراتيجية الإيرانية في اختراق مناطق أهل السنة والتغلغل في مجتمعها المعادي لها بواسطة نفوذ مكاتب الحشد الشعبي الوليد التوأم للحرس الثوري الإيراني، ودمج الكتل السنية العربية ضمن تشكيلات الكتلة السياسية الموالية لطهران وبذلك تحقق للنظام الإيراني هدف تأمين الطريق الموصل إلى نفوذها لسواحل البحر الأبيض المتوسط نتيجة نفوذها في العراق وسوريا وجنوب لبنان. تنتظر الحكومة الجديدة عواصف داخلية وإقليمية ودولية شديدة تقيد حركتها وتشتت اتجاهات بوصلتها الوطنية أولها تداعيات الحصار الأمريكي على النظام الإيراني ونتائجه على الوضع الاقتصادي والسياسي وتأثيره أيضًا على أصحاب القرار السياسي في بغداد ومجملهم من الموالين للنظام الإيراني، علاوة على اعتماد العراق على الاستيراد من إيران لمعظم مصادر الطاقة والمنتجات الزراعية بمبالغ تتعدى الخمسة عشر مليار دولار ولن تسمح طهران بإحلال الجوار العربي مكانها فهي المتنفذة سياسيًا واقتصاديا والمعتمد على قوة الحكومة الموازية والمتنفذة في مراكز السلطة في جميع أنحاء العراق، إذ تأثر تشكيل الحشد الشعبي بكل مؤسساته العسكرية المرتبطة بالتوجيه الإيراني بإمرة الجنرال سليماني ومساعده أبو مهدي المهندس رجل إيران الخفي في السلطة العراقية كل هذه الظروف المقيدة لأي قرار إصلاحي يخدم أبناء الشعب العراقي والذي ينتظر التغيير والإصلاح من توفير الخدمات الأساسية في مجال الخدمة الصحية والتعليمية وتوفير الماء الصالح للشرب ومعه الطاقة الكهربائية والتي طال انتظارها أكثر من عقد ونصف العقد دون توفيرها على مدار اليوم الكامل رغم الإسراف في تمويل هذه الصناعة المهمة بأكثر من خمسين مليار دولار تخللها الشك العميق بالفساد المالي. إن المواطن العراقي نفد صبره من العملية السياسية والأحزاب المذهبية طيلة خمسة عشر عامًا والوضع يتدرج للوراء دون أي منجز حققته الحكومات السابقة والتي اتصفت بسرقة المال العام والفوضى الإدارية بحشو المنظومة الإدارية للحكومة بأفواج من المنتمين والمؤيدين للأحزاب الطائفية مشكلين سلسلة طويلة من البطالة المقنعة. يعيش العراق الآن ضمن منطقة ملتهبة وخطرة إثر تداعيات الانسحاب الأمريكي من سوريا واحتمالات انتشارها في المنطقة الشمالية الغربية من العراق وتأثير ذلك على الوضع الأمني للدولة بكاملها ولابد من التعامل مع هذا الحدث المفاجئ المهم بكل حكمة وذكاء استنادًا على مصلحة الشعب العراقي أولا والنأي بالنفس عن كل انحياز لجهة خارج حدود الدولة العراقية لضمان وضع آمن من كل العمليات العسكرية التي من المنتظر اندلاعها من إسرائيل على سوريا والوجود الإيراني فيها كما قد يتعدي خط النار اتساعًا ليصل داخل الجغرافية الإيرانية كما جاء في تهديد نتنياهو الأخير بضرب كل القوى العسكرية الإيرانية داخل سوريا وخارجها إثر الانسحاب الأمريكي من سوريا. إن الأيام القليلة القادمة ستشهد تحركًا أمريكيًا سريعًا في التمركز العسكري داخل قواعد جديدة في الجهة الغربية من العراق لمحاربة الإرهاب كما هو معلن غطاء لهدفها الأساسي السيطرة على المنطقة بتطويق إيران وإنهاء وجودها في العراق وسوريا بإنشاء قواعد عديدة ومساندة القوات الإسرائيلية لضرب الوجود العسكري الإيراني في سوريا وقطع الطريق عن أي إمداد عسكري أو لوجستي إيراني لوجودها العسكري في سوريا.. قد تكون سنة 2019 م سنة الحسم للنفوذ الإيراني في المنطقة الإقليمية. ‭{‬ عضو هيئة أمناء منتدى الفكر العربي. – عضو جمعية الصحفيين السعوديين

مشاركة :