يعتقد كثير من الناس أن الحماية الاجتماعية تنطوي بوجه عام على معونة تقدمها البلدان الغنية للفقراء. والمعونة مهمة، ولا سيما للبلدان شديدة الفقر. فالصدمات السلبية يمكن أن تتحول بسرعة إلى كوارث إنسانية وتزيد الصراعات في الدول الهشة، كما هو الحال في ظل المجاعة الحالية في جنوب السودان، وبدء المجاعة ومرض الكوليرا في اليمن، وتفشي مرض الإيبولا أخيرا في غينيا وليبيريا وسيراليون. لكن على مستوى البلدان الـ180 التي يصنفها البنك الدولي في "الشريحة الأعلى من الدخل المتوسط" أو "الشريحة الأدنى من الدخل المتوسط" مثل الهند والمغرب وبيرو - تؤدي الإيرادات الضريبية ككل إلى تقليص المساعدة الإنمائية. ونظرا لاقتران النمو بتزايد عدم المساواة على مستوى العالم، تصبح عمليات إعادة التوزيع الآخذة في الزيادة داخل البلدان أمرا لا يثير الدهشة. وغالبا ما يقوم الدعم الخارجي بدور مهم أثناء المراحل الأولية من تصميم البرامج وإطلاقها في مثل هذه البيئات، غير أنه يمكن تمويل الحماية الاجتماعية في الأساس من خلال مصادر محلية على المدى الطويل. وبينما يشرع كثير من هذه البلدان في إعادة التوزيع بصورة متزايدة داخل حدودها، فهي أيضا تواجه تحديات تختلف عن تلك التي تواجهها البلدان مرتفعة الدخل. ومن الأهمية بمكان فهم هذه الفروق لاستيعاب كيف تطورت الحماية الاجتماعية بمرور الوقت، وكيف يمكن أن تتغير في المستقبل. ظل دعم منتجات معينة هو الطريقة التقليدية لتقديم التحويلات في كثير من البلدان، وهي طريقة لا تزال شائعة حتى يومنا هذا. وتشكل السلع الغذائية الأساسية مثالا تقليديا على ذلك، بينما تشكل الطاقة مثالا آخر. والسبب المنطقي وراء استخدام أداة السياسات هذه بسيط. ففي الاقتصادات المتقدمة، تستطيع الحكومة أن تحدد المستحقين للمساعدة باستخدام المعلومات عن الدخل من وثائق الضرائب ومن مصادر أخرى. ومع ذلك، ففي البيئات الأقل تقدما، يشهد القطاع غير الرسمي نشاطا كبيرا، خاصة بين الفقراء. ولا توجد وثائق لتتبع من هم العاملون وما مقدار ما يكسبون - لا شيء على الأقل يمكن التحقق منه بسهولة. وفي المقابل، تهدف الحكومات إلى دعم منتجات يستخدمها الفقراء بشكل غير متناسب كي يحصلوا على حصة أكبر من الدعم. ويحظى الدعم في الغالب بشعبية سياسية لأسباب عديدة. أولها، الشفافية؛ ففي حالة دعم الطاقة مثلا، يحصل المستهلكون على الطاقة بالسعر المدعم في محطات توزيعها. والسبب الثاني يرجع إلى استفادة الجميع من الدعم، فربما حظي بمساندة سياسية أوسع من البرامج التي تعود بالمنفعة على الفقراء وحدهم. وأخيرا، تستطيع الحكومات أن تدعي أنها تؤثر فيما يستهلكه الناس، على سبيل المثال، بدعم البيض والحليب لضمان حصول الأطفال على ما يكفيهم من البروتين، بدلا من الدعم النقدي الذي قد يضيعه الفقراء على سلع مغرية، مثل الكحول أو التبغ. ولم تثبت صحة هذه الأقاويل دائما في الواقع العملي. فحصول الفقراء على حصة أكبر من الدعم يدعو إلى دعم ما يطلق عليه الاقتصاديون "السلع الأدنى" وهي السلع التي يتراجع الطلب عليها كلما ازداد الناس غنى - مثل الكسافا حينما يفضل الجميع الأرز، والغذاء منخفض الجودة، وما إلى ذلك. إن دعم السلع الأدنى لا يحظى بشعبية في الغالب، وبدلا من ذلك، ينتهي الأمر بتقديم معظم الدعم على السلع اليومية - وهي أشياء يشتري الناس منها كميات أكبر كلما زاد دخلهم. والنتيجة هي إضعاف عمليات إعادة التوزيع، نظرا لأن المنفعة تعود في معظمها على الطبقة المتوسطة، أو حتى على الأغنياء. كذلك، فإن سداد فواتير السلع الأكثر شعبية يجعل تكاليف الدعم باهظة. ودعم الطاقة مثال تقليدي على هذا الأمر. ونظرا إلى إتاحة الدعم للجميع، فيجب أن يكون كبيرا بما يكفي لضمان حصول الفقراء على حصة معقولة، وفي كثير من الحالات، يعود كثير من المنافع على الطبقة المتوسطة، وليس على الفقراء. وبالفعل، فإن تكلفة الإنفاق على هذا النوع من الدعم مرتفعة للغاية، حتى إن المبالغ التي ستوفرها الحكومة عن طريق إلغاء دعم الطاقة في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية تتجاوز ما ينفقه كثير منها على الصحة العامة. وللدعم أيضا آثار تشوهية. فدعم الطاقة، على سبيل المثال، له تداعيات خطيرة على البيئة. ودعم أغذية معينة، مثل الأرز، يمكن أن يسفر عن نتائج سلبية تحول دون الحصول على غذاء متوازن. أما فكرة إضاعة الفقراء للنقود بإنفاق جزء كبير منها على ما يسمى السلع المغرية، فقد ثبت زيفها مرات كثيرة، ما يضعف قدرا كبيرا من المبررات الساعية إلى محاولة التأثير في أوجه إنفاق الناس للنقود في المقام الأول. ونظرا إلى التكلفة والآثار التشوهية التي تنتج عن الدعم الشامل، يعمل كثير من البلدان على تثبيت كمية السلع المدعمة التي يمكن أن تحصل عليها كل أسرة، وربما قصرها على الأسر الفقيرة، إلا أن هناك مجموعة أخرى من التحديات التي تنشأ عن ذلك، مثل إنشاء نظام بيروقراطي لتوزيع السلع ورصد المستفيدين ومقدار ما ينالهم منها. وتتعرض هذه النظم عموما لقدر كبير من مخاطر الفساد والتسرب، نظرا إلى المصاعب في إدارتها. لهذه الأسباب، تعمل الاقتصادات النامية حاليا على الابتعاد عن الدعم العيني المعمم "أو المحدود" والتحويلات إلى الفقراء والاتجاه إلى التحويلات النقدية متعددة الأشكال الموجهة للمستحقين. فتأثير النقد حيادي ولا يؤدي بالتالي إلى تشويه ما يشتريه الناس. إضافة إلى ذلك، تشير الأدلة إلى أن عواقب التحويلات النقدية على جانب العرض في سوق العمل ضعيفة - أي أن هذه البرامج لا تبدو غير مشجعة على العمل، وهو في الغالب أحد مصادر القلق عندما يتعلق الأمر ببرامج التحويلات. وأخيرا، وباعتبار ذلك منفعة إضافية، يمكن استخدام التحويلات النقدية كمحفز مالي لتمهيد الصدمات الاقتصادية الكلية السلبية من خلال توزيع النقود مباشرة على الأسر الفقيرة ذات الميل الحدي للاستهلاك.
مشاركة :