تتخذ الحماية الاجتماعية أشكالا مختلفة. ففي اليابان، وهي من الاقتصادات المتقدمة، نجد أن المتقاعدين أمثال توشيكو تانيوشي، سيمثلون خمسي السكان بحلول منتصف القرن. وتظل تانيوشي نشطة ومستقلة في حياتها بفضل معاشها من الحكومة ومساعدة أسرتها. وعلى عكس ذلك في الهند الفتية، تشتغل معظم العمالة في القطاع غير الرسمي، دون حماية اجتماعية من الدولة. وكانت أسرة جيتونبيبي شيراجبهي شيخ تواجه مصاعب في كسب قوت يومها حتى انضمت إلى جمعية نسائية لصاحبات العمل الحر، ما ساعدها على بدء مشروع خاص بها. وكما يتبين من قصة هاتين المرأتين، فإن الحماية الاجتماعية لا تقي الأفراد تقلبات الحياة وحسب، وإنما هي أيضا تساعدهم على الاستفادة إلى أقصى حد من إمكاناتهم، بما يعود بالمنفعة على أسرهم ومجتمعاتهم المحلية والمجتمع كله. شاركت توشيكو تانيوشي في المعجزة الاقتصادية، التي أعقبت الحرب العالمية الثانية في اليابان، حينما ساعدت أعداد السكان المتزايدة على دعم التوسع السريع في الناتج. وكانت تانيوشي تدير حانوتا في طوكيو بينما تتولى تربية ثلاثة أطفال. واليوم، تقاعدت وتبدل الحال؛ إذ صارت شيخوخة السكان وتقلص أعدادهم عبئا على النمو الاقتصادي. وتبلغ تانيوشي الآن 79 عاما، وتعيش مع ابنها وأسرته منذ أن توفي زوجها قبل عدة سنوات مضت. ويساورها قلق من أن تصبح عبئا على أسرتها؛ لذا فهي تسعى جاهدة لكي تظل محتفظة بلياقتها وصحتها. وتقول "إنني أمارس الرياضة، وأحتفظ بنشاطي لكي أحاول ألا أثقل كاهل أبنائي"، وهي كذلك تزور إخصائي علاج طبيعي للتعافي من عملية جراحية في ظهرها. وتقول "لحسن الحظ، هناك حافلة تتوقف على بعد عشر دقائق سيرا على الأقدام من مركز إعادة التأهيل، والمشي لتلك المسافة القصيرة يساعدني على الاحتفاظ بلياقتي". وتتبع تانيوشي جدولا صارما، فتبدأ يومها بممارسة الرياضة، من خلال متابعة برنامج إذاعي في الساعة السادسة والنصف صباحا. وتذهب إلى الكارايوكي ثلاث مرات في الشهر، وإلى درس فن الخط أول سبت من كل شهر، ودرس الرسم في الثلاثاء الثالث من الشهر، وتدريب الجولف الأرضي - وهو نوع من ألعاب الكروكيه - مرة في الأسبوع. وتشارك كذلك في فعاليات مجتمعية، مثل التدريبات على التعامل مع الكوارث المحلية وحملات تنظيف الحي. وتذكر "إنني أحاول المشاركة في هذه الأنشطة وأمارس الرياضة لأتجنب الإصابة بالعته. وأحرص على ممارسة أنشطة مختلفة بدلا من مجرد الجلوس لمشاهدة التلفاز وتنظيف المنزل وغسل الثياب". ومن المعروف أن اليابان تضم أكثر سكان العالم تقدما في السن، ووفق تقديرات الحكومة، ارتفعت نسبة السكان في أعمار 65 عاما وأكبر إلى نحو 27 في المائة من سكان اليابان. البالغ عددهم 127 مليون نسمة، مقابل 9 في المائة في 1980، وتشير التنبؤات إلى أن نسبة كبار السن سترتفع إلى نحو 40 في المائة بحلول عام 2050. وهذا التحول الديموغرافي يفرض ضغوطا على اليابان؛ لتحسين الإنتاجية، وزيادة أعداد القوى العاملة، وهو ما يمكن تحقيقه بانضمام مزيد من النساء والعمالة الأكبر سنا إلى سوق العمل. ووفق تقرير عن اليابان أصدره صندوق النقد الدولي في تموز (يوليو) 2017، سيتطلب الأمر القضاء على الأسباب المثبطة للعمل في وظائف منتظمة بدوام كامل، ويقتضي التوسع في توفير دور رعاية الأطفال وكبار السن؛ لتخفيف أعباء الواجبات المنزلية عن كاهل سائر أفراد الأسرة. ولدت تانيوشي في فوكوشيما، وهي مقاطعة تبعد بما يزيد على ساعتين بالسيارة شمال شرقي طوكيو، وتشتهر بأنها مكان متميز لتسلق الجبال، وبوجود حمامات عيون "أونسين" الساخنة التي ترجع إلى قرون بعيدة. انتقلت تانيوشي إلى طوكيو عام 1954؛ حيث تزوجت وفتحت محل بقالة. واليوم، تشترك في منزل ذي ثلاثة طوابق مع ابنها، وهو موظف، وزوجته وأبنائه، وتؤجر الطابق الأرضي لشركة محلية. وتعيش تانيوشي حياة اجتماعية نشطة، فتساعد أصدقاءها لكي يتجنبوا الوحدة والعزلة اللتين هما سبب معاناة كثير من اليابانيين كبار السن. فوفق مسح أجري على مستوى البلاد في آب (أغسطس)، ذكر نحو 15 في المائة من الرجال فوق الـ65 من العمر و5 في المائة من النساء أنه قد يمر عليهم أسبوعان دون التحدث إلى أي أحد. وقال ما يزيد على 30 في المائة من الرجال و9 في المائة من النساء في الفئة العمرية نفسها، إنه ليس لديهم أي شخص يعتمدون عليه في حياتهم اليومية. وتقول تانيوشي "إذا وجدت نفسي بمفردي في المنزل، أحب الخروج لزيارة أصدقائي الذين يمكثون بمفردهم أيضا"، وقامت أخيرا بزيارة صديقة لها قعيدة تعتمد على الكرسي المتحرك، ولا تستطيع مغادرة منزلها. ووجدت أن صديقتها لم تحادث أحدا طوال اليوم... يتبع.
مشاركة :