قصائد العام الجديد مكتوبة بمداد التفاؤل

  • 1/1/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: عثمان حسن كانت مناسبة انتهاء عام وبدء عام جديد بالنسبة لكثير من الأدباء، خاصة الشعراء العرب، فرصة للتعبير عن توقهم إلى تحقق الأماني والأحلام المؤجلة، وهي حال طبعت الكثير من النماذج الشعرية، التي ذهبت في معظمها ومن حيث المضمون إلى ملامسة القضايا العامة المصيرية والاجتماعية والسياسية، وكان الخط البياني لهذه القصائد يحاول أن يتجاوز الحزن، القريب في بعض الأحيان من السوداوية، إلى فضاءات مرصعة بشموس الأمل.تكتب الشاعرة العراقية نازك الملائكة (1923-2007) قصيدة على أبواب العام الجديد تقول فيها:يا عام لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف / من عالم الأشباح، يُنكرُنا البشر / ويفر منّا الليل والماضي ويجهلنا القدر / ونعيش أشباحاً تطوفْ / نحن الذين نسير لا ذكرى لنا / لا حلم، لا أشواقُ تُشرق، لا مُنى / آفاق أعيننا رمادْ / تلك البحيرات الرواكدُ في الوجوه الصامتهْ / ولنا الجباه الساكتهْ / لا نبضَ فيها لا اتّقادْ / نحن العراة من الشعور، ذوو الشفاه الباهتهْ / الهاربون من الزمان إلى العدمْ/ الجاهلون أسى الندمْ / لا ذكرياتْ / نحيا ولا تدري الحياةْ / نحيا ولا نشكو، ونجهلُ ما البكاءْ / ما الموت، ما الميلاد. ومن يقرأ الأبيات السابقة لنازك الملائكة يشعر بغصة، وهو يرى الآدمي كأنه يتدثر حياة لا معنى فيها، وهو أقرب إلى كائن شبحي معدوم الذكريات مطموس الهوية، وأكثر من ذلك، لا صوت له، ولا يوجد هناك من يسمعه أو يحس به، وبالنتيجة فهو فاقد لمعنى الشعور والحياة.بدورها كتبت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان (1917 - 2003) في العام 1958 قصيدة «صلاة إلى العام الجديد»، وهي تبدأ بنبرة تفاؤلية، تعكس ذات الحال التي تشيّئ الفرد، وتلقيه في غياهب الظلمات، غير أن الشاعرة هنا، كعادة معظم المبدعين تتسلح بالصبر، وبجرعة هائلة من التفاؤل، حيث الأشواق والتسابيح في المآقي، والظلال التي تحتضن أحلى باقات الورود والأغاني المشتهاة، هي كلها تعبيرات عن توق يعكس واقعاً مراً، يخلو من الدفء ويعيش مرارة التشظي والحرمان.. تقول وهي تخاطب العام الجديد:في يدينا لك أشواق جديدة / في مآقينا تسابيح، وألحان فريدة / سوف نزجيها قرابين غناء في يديك / يا مظلاً أملاً عذب الورود / يا غنياً بالأماني والوعود / ما الذي تحمله من أجلنا / ماذا لديك / أعطنا حبّاً، فبالحب كنوز الخير فينا / تتفجر / وأغانينا ستخضر على الحب وتزهر / وستنهل عطاء / وثراء / وخصوبة / أعطنا حبّاً فنبني العالم المنهار فينا / من جديد / ونعيد / فرحة الخصب لدنيانا الجديبة / أعطنا أجنحة نفتح بها أفق الصعود / أعطنا نوراً يشق الظلمات المدلهمة / وعلى الخطو إلى ذروة قمة / نجتني منها انتصارات الحياة.إذن، هي انتصارات الحياة التي تمنح هذا الدفق الشعوري، قيمة وجمالاً، فتتلاشى معها كل الهزائم والانكسارات.أما الشاعر اليمني عبدالله البردوني (1929 - 30 أغسطس/ آب 1999)، فيرسم صورة كاريكاتورية للعام الجديد، صورة تعبر عن واقع بليد، وليالٍ ونهارات رتيبة، كأنما يعيشها، من دون أن تحرك في شعوره لحظة تفاؤل أو مسرة، فيقول:أتيتَ خريفاً، كما جئتَ صيفْفلستَ مُقيماً، ولا أنت ضيفْبحسب اعتيادكَ تمضي تجيء وتدعى لطيفاً، ولست اللطيفْفلا أنت غيبٌ ولا موعدٌ ولا أنت حلمٌ ولا أنتَ طيفْ. الشاعر العراقي أحمد مطر، يكتب قصيدة عن العام الجديد، يبدأها بتصوير هذا الزائر الجديد، وكأنه يحمل تراثاً من العبودية، فيه ما فيه من المرض والبشاعة والوعيد، وينسج صورة سوداوية مرعبة، على غرار كائن مصاص دماء، يتوعد البشر بالزجر والقتل والدم والنفي والإقصاء.يقول: دق بابي كائن يحمل أغلال العبيد / بشع / في فمه عدوى / وفي كفه نعيٌ / وبعينيه وعيد / رأسه ما بين رجليه / ورجلاه دماء / وذراعاه صديد.ثم يستكمل القصيدة بحوارية بين هذا الزائر وذات الشاعر: قلت ما هذا الكلام؟ / إن أعوام الأسى ولت، وهذا خير عام / إنه عام السلام / عفط الكائن في لحيته / قال: بليد / قلت: من أنت؟ / وماذا يا ترى مني تريد؟ / قال: لا شيء بتاتاً / إنني العام الجديد.والعفط هنا، يفيد معنى الزجر، أو نفث الكلام ذي الرائحة الكريهة التي لا تحتمل.بدوره يكتب الشاعر المصري فاروق شوشة قصيدة متفائلة بالعام الجديد، يتذكر فيها محبوبته فيشع من خلالها أملاً وبهجة، هي الحبيبة التي تنهمر عليه بالإشراق، وهي نافورة الضوء والدنيا الجديدة المفعمة بالحياة، حيث يقول:عبر العامُ ويأتي العامُ / لكن / أنت تبقين وجوداً.. وأمل / وطريقاً نابضاً باللمسة الأولى، عميقاً كالأزل / وشعاعاً ثاقباً أفق حياتي / ساكباً في عمق ذاتي / قطرة الضوء.. الوحيدة / وأمان الأرض.. للنفس الشريدة / وهي ترتاح إلى شاطئ دنيانا الجديدة / وهي تهتزُ إلى لَوْنِ المسافات المديدة / لحظة تولد فينا، كانهمار السيل، كاللمحِ المُشعِّ الضوء / كالرؤيا العجيبة.ذات الصورة المتفائلة نجدها عند الشاعر السوري نزار قباني في «حبيبتي في رأس السنة» التي يستذكر فيها محبوبته، فتتجول معه في كل الفصول هائمة في قلبه وفي الأماكن، ومطرزة بعناوين الحب والمعنى والحياة، حيث يقول:أنقل حبي لك من عامٍ إلى عام / كما ينقل التلميذ فروضه المدرسية إلى دفترٍ جديد / أنقل صوتك.. ورائحتك.. ورسائلك / ورقم هاتفك.. وصندوق بريدك / وأعلقها في خزانة العام الجديد / وأمنحك تذكرة إقامة دائمة في قلبي / إنني أحبك.. ولن أتركك وحدك على ورقة 31 ديسمبر أبداً.ويقول أيضاً: وفي الخريف، سأعطيك معطف المطر الوحيد / الذي أمتلكه / كي لا تتبللي / وفي الربيع / سأتركك تنامين على الحشائش الطازجهْ / وتتناولين طعام الإفطار / مع الجنادب والعصافير / وفي الصيف / سأشتري لك شبكة صيدٍ صغيرهْ /لتصطادي المحار / وطيور البحر / والأسماك المجهولة العناوين.

مشاركة :