الخرطوم - يشهد الائتلاف الحكومي في السودان بداية انفراط عقده بعد إعلان حركة الإصلاح الآن عن قرارها بالانسحاب من الحكومة، وتوجه كل من الاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبي إلى اتخاذ ذات الخطوة في ظل ضغوط متصاعدة من قواعدهما. ويأتي ذلك مع استمرار الاحتجاجات في أنحاء عدة في السودان وسط استعدادات لـ”تجمع المهنيين”، وهو عبارة عن تحالف نقابي يضم أبرز القطاعات، للإعلان عن خطوات تصعيدية جديدة قد تصل حد الإعلان عن الإضراب العام للضغط من أجل رحيل النظام الذي يقوده الرئيس عمر حسن البشير. ويشهد السودان منذ 19 ديسمبر الماضي، تحركات احتجاجية في معظم محافظاته ردا على ارتفاع أسعار الخبز وسرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات إلى المطالبة بإسقاط النظام، ويثير هذا التطور حالة هستيريا لدى الأخير الذي بدا عاجزا عن احتوائها. وفشلت جهود الرئيس عمر حسن البشير في تهدئة المحتجين الذين يطالبون بتنحيه عن السلطة القابض عليها منذ العام 1989، فرغم إقراره بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد في إطلالاته المتكررة مؤخرا، وإعلانه تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الأحداث التي رافقت المظاهرات والتي سقط خلال قتلى وجرحى، بيد أن الأمور تتخذ نهجا تصعيديا خطيرا قد يطيح به. وأعلنت حركة “الإصلاح الآن” بزعامة غازي صلاح الدين الثلاثاء الانسحاب من الحكومة وخروج ممثليها من جميع المجالس التشريعية في السودان، تضامنا مع المحتجين ضد نظام البشير. وكانت حركة الإصلاح الآن انشقت عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في أكتوبر 2013 على إثر مذكرة طرحتها قيادات بارزة احتجت على مقتل العشرات في احتجاجات سبتمبر ضد رفع الدعم الحكومي عن المحروقات. ويرى مراقبون أن حركة الإصلاح الآن لا تملك حضورا بارزا في مؤسسات الحكم بيد أن إعلان خروجها من الحكومة ومن المجالس التشريعية الممثلة فيها في هذا التوقيت الحساس يشكل خطوة رمزية مهمة جدا في مسار الأحداث العاصفة بهذا البلد، غير مستبعدين انضمام أطراف أخرى إليها، على غرار المؤتمر الشعبي الذي يبدو موقف قيادته ضبابيا رغم إظهار العديد من أعضائه موقفا داعما للحراك.وتعتزم حركة الإصلاح مع عدد من القوى تقديم مذكرة للرئيس عمر البشير تطالبه فيها بتشكيل “مجلس سيادة انتقالي، لتسيير شؤون البلاد”، و“تشكيل حكومة قومية”. جاء ذلك في مؤتمر صحافي الثلاثاء ضم 22 حزبا، بينها حزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل (نائب رئيس الوزراء السابق)، وحركة الإخوان المسلمين. ويرى متابعون أن هناك انقساما واضحا في الحركة الإسلامية بين أطراف ترى بضرورة الإبقاء على دعم البشير وأنه الضامن لاستمرارية سيطرتها على البلاد، وقوى أخرى تريد القفز من سفينته، لإنقاذ مشروع الحركة خاصة مع إدراكها بأن هناك إصرارا شعبيا واضحا على الإطاحة به. ويلفت المراقبون إلى أن الشق الداعم لخيار الخروج عن البشير في الحركة الإسلامية يعتبر أن استمراره في واقع الأمر هو إضعاف لمشروعهم، في ظل الاحتقان الشعبي فضلا عن السياسات المتقلبة للرئيس والتي انعكست على العلاقات مع عدد من الدول الداعمة لهم وعلى رأسها تركيا وقطر. ويلاحظ تركيز واضح من الإعلام التركي والقطري على الاحتجاجات في السودان كما لا تتوانى شخصيات وهياكل محسوبة على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، عن انتقاد سياسة البشير (ضمنا أو صراحة) رغم أن الأخير هو وليد التجربة الإخوانية وراعيها. ودعا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي الثلاثاء، إلى تشكيل مجلس يضم ممثلين عن الحكومة السودانية والمتظاهرين لحل الأزمة الراهنة في البلاد. وقال القره داغي عبر حسابه بموقع تويتر، “يؤلمنا ما يحدث في السودان الحبيب وندعو الحكومة والمتظاهرين إلى الالتزام بحرمة القتل والتخريب والإفساد”، فيما بدا واضحا أنه يضع كلا من الحكومة والمحتجين في نفس المستوى، رغم أن الاتحاد كان في محطات احتجاجية سابقة في السودان ينتصر للبشير. وحث القره داغي الجانبين على احترام الإنسان وحقوقه والتعبير عنها بجميع الوسائل السلمية المعروفة، مطالبا السلطات بالبدء في علاج المشاكل المزمنة ومعاقبة المفسدين.
مشاركة :