نتوقّف كثيرا عند بداية السنة الجديدة ونتساءل، ترى ما هي الجدوى من التأهب لعام جديد في رحلة حياتنا والانشغال بوضع الخطط، إذا كنّا سنفقد السيطرة على زمام الأمور إن عاجلاً أو آجلاً أو حتى في منتصف المسافة؟ وضع أهداف لسنة مقبلة أمر شائع بين الناس، لكن قلّة منهم من يصل إلى نهاية الطريق ويحقّق هدفه المنشود. تنصح د. أليس بويز؛ مؤلفة كتاب “مجموعة أدوات القلق”، بضرورة أن نحدّد ما يعنيه لنا هدف ما، فمن غير المناسب أن نضع الخطط لتنفيذه ونرصد فترة زمنية معيّنة ونبذل الجهد والوقت لتحقيقه، من دون أن يكون هناك معنى عميق له. من السهولة أن تمتلئ قائمة الأحلام بعدد كبير من الأفكار التي تتعلّق بأهداف نسعى إلى تحقيقها في كل عام جديد، لكن من منها سيعطي معنى أكبر لحياتنا أكثر من غيره؟ على سبيل المثال؛ تسعى بعض الأمهات إلى التخطيط لتحقق أهدافاً حيوية ومهمة، تتفاوت في أهميتها وصعوبة تنفيذها أو الجمع بينها مثل: أن تصبح أمّا جيّدة قدر المستطاع، أن تعتني بصحّتها الجسدية، أن تكون مبدعة في عملها في الوقت ذاته وأن تمضي أوقاتاً جيدة وممتعة تقتطعها من أوقات الفراغ. لكن، كيف يمكنها أن توازن بين كل هذه المتطلبات من دون أن تقع في فخ الانشغال المستمر أغلب الأوقات، من دون فاعلية أو إنتاجية حقيقية وملموسة؟ ترى بوينز أنه وفي خضم هذه القائمة التي قد تكون غير واقعية عند التطبيق، من المفيد أن تتضمّن هدفاً واحداً في الأقل من مجموع الفئات التي تهمنا، الأمر الذي يخلق نوعاً من التوازن سواء في تحقيق ما نطمح إليه إضافة إلى توزيع المسؤوليات وفق ساعات اليوم المحددة، من دون ضغوط أو إجهاد. كما يفضّل أن يتم تحديد الخطوات الأكثر ملاءمة لتحقيق أهدافنا وتقييم مدى واقعيتها أو جدواها؛ فإذا كان الهدف مثلا هو الاعتناء بصحتنا الجسدية ينبغي علينا أن نحدد الطريقة التي ستحقق هذا المطلب، كأن يكون بالانتظام في ناد صحّي أو الاقتصار على الأكل الصحّي أو مقاطعة مطاعم الوجبات السريعة، وربما يمكننا الجمع بين هذه الوسائل جميعها شرط أن تكون واقعية يمكن تحقيقها ولا تتسبب في ضغوط مادية أو جسدية. إلى ذلك، وفي سلسلة من الدراسات أشرف عليها باحثون في جامعة سكرانتون الأميركية، أظهرت النتائج بعد تتبع قرارات السنة الجديدة اتخذها 200 شخص على مدى عامين متتابعين، أن 77 بالمئة من هؤلاء تمكّنوا من الحفاظ على قراراتهم لمدة أسبوع واحد، فيما انخفض العدد إلى 64 بالمئة خلال الشهر الأول، وبعد ثلاثة أشهر بقي 50 بالمئة فقط من أفراد العيّنة محافظين على قراراتهم. وبعد عامين كاملين لم يصل إلى خط النهاية لتحقيق الأهداف سوى 19 بالمئة من مجموع 200 شخص. ليس لهذا الأمر أيّ علاقة بكون هؤلاء الأشخاص يفتقدون لقوة الإرادة التي تدفعهم إلى المواصلة والثبات على أهدافهم حتى النهاية، هذا بحسب إحصائية منهجية نشرت في مجلة “الشخصية وعلم النفس الاجتماعي” العام 2015.حيث أكدت نتائج باحثين في جامعة بيتسبرغ على أن خلق عادات إيجابية يساعد كثيرا في إظهار ضبط النفس وهو المفتاح الحقيقي لتحقيق أهداف بعيدة المدى، وليس قوة الإرادة. في إشارة إلى أهمية الروتين الذي يمكن أن يقوم به الأشخاص بصورة تلقائية، إضافة إلى العادات اليومية لتحقيق تقدّم أفضل نحو الأهداف. من ناحية أخرى، من الصعب تحديد أهدافنا مسبقا ما لم نعرف ونفهم الكيفية التي نقضي فيها أوقاتنا؛ فإنجاز العمل يرتبط غالباً بكيفية إدارة الوقت وأفضل طريقة لفعل هذا هي الجداول أو الأجندات الشخصية، التي يتم تسجيل النشاطات اليومية فيها وفق ساعات مقاسة بدقة، إضافة إلى تقسيم المسؤوليات بحسب ترتيب أيام الأسبوع حيث نخصّص مثلاً يوما للتنظيف والترتيب ويوما لإنجاز التفاصيل اليومية المتراكمة؛ مثل تنظيم البريد العادي والإلكتروني، تنسيق المواعيد، وضع الجداول، التسوّق والقيام ببعض الأعمال الروتينية البسيطة، في حين يخصّص أكثر من يوم واحد في الأسبوع عادة لإنجاز العمل الرئيس مع عدم إغفال قضاء أوقات وإن كانت قصيرة لأخذ قسط من الراحة، حتى إذا كان هذا في متابعة فيلم أو برنامج تلفزيوني مفضّل مع تخصيص وقت للقراءة، فالقراءة تقدّم فائدة في اتجاهين مختلفين فهي تعدّ تسلية مناسبة كما أنها توفر المعلومة وتعزّز من مهارات اللغة والتواصل الاجتماعي والثقافي. عندما تتم إدارة الوقت بشكل ناجح، سنكون قادرين بشكل أفضل على تخطّي العقبات التي يمكن أن تصادفنا أو تعترض أهدافنا لأن الأمر لا يخلو بالطبع من المفاجآت، وأبسط مثال على ذلك فإنّ احتساب عدد الساعات التي يمكن أن نمضيها في النادي الرياضي، في أقلّ الأحوال فإن عددها لا يتعدّى السبع ساعات أسبوعياً وهذا يعني ساعة واحدة يومياً أو ساعتين لمدة ثلاثة أيام مختارة ضمن الأسبوع، وهذا لا يشكّل أيّ عبء إضافي على سير الواجبات والمسؤوليات اليومية كما قد نتخيّل أولّ الأمر.
مشاركة :