أطفال اليمن يصرخون بوجه الموت والعالم: لا تقبروناش!

  • 1/4/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

للحرب أثار نفسية مرعبة على المجتمعات، غير أن الأطفال بمختلف فئاتهم العمرية هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة لويلات الحروب، ينالون القسط الأكبر من تداعياتها سواء من قتل أو من تشرد أو من آثار سلبية على جميع تفاصيل حياتهم والتي ربما لن تفارقهم حتى بعد نهاية الحروب. عند خروجي من اليمن وأنا في طريقي إلى ألمانيا أواخر العام 2016، كانت ابنة أخي سارة تتواصل معي يوميًا تسألني متى أكلت، هل نمت جيدًا، من أعدّ لك الطعام ومن أطفأ لك النور… وأسئلة كثيرة، كانت ترى سارة بنت التاسعة أن عليها كأمّ صغيرة أن تطمئن أن كل شيء يسير بشكل جيد وربما كانت تريدني أن اشتكي لها فتقول لي ارجعي لنا إذا! ذات يوم وهي تسألني كعادتها وأنا أجيبها لأطمئنها أن كل شيء جيد سألتني: "عندكم حرب؟"، شعرت ولا أزال حتى الآن أن فأسًا قد شقت رأسي، لم أستطع الرد عليها سوى بالهروب من سوط براءتها المجروحة التي تعتقد أن الحرب من الأشياء الطبيعية التي تحصل في كل العالم مثلها مثل الشمس والمطر واي عوامل طبيعية أخرى. هكذا يواجه الأطفال في اليمن الحرب بأقدام عارية وعيون مطفأة من أي أمل قادم يكفل أبسط الحقوق الكريمة لهم، إذ يواجه أكثر من  8 مليون طفل يمني الحرب التي اعتبرتها السيدة "كارولين"،ومسؤولة منظمة "أنقذوا الأطفال"، كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل. صور الموت متعددة، فمن ينجوا من القصف العشوائي لقوى التحالف أو الرصاص الطائش من الحوثيين قد لا ينجو من الجوع والأوبئة التي أصبحت منتشرة كالأمراض الجلدية والدفنتيريا والكوليرا، إذ وصل عدد الأطفال المصابين بها حسب آخر الإحصائيات  إلى أكثر من 600 ألف، نتيجة انعدام البيئة الصحية والمياه النظيفة والشلل شبه التام للنظام الصحّي جراء القصف الذي استهدف عدة مستشفيات والحصار الذي صعب دخول المحاليل التي يمكن أن تساعد في القضاء على الأوبئة إلى جانب  مصادرة مليشيا الحوثيين للمحاليل وبيعها للمواطنين الذين لا يتمكن غالبيتهم من شرائها، مما دعا الأمم المتحدة لتحذير من أن كارثة كبيرة تهدد أكثر من 80% من أطفال اليمن، إذ يعاني أكثر من مليوني طفل من سوء التغذية، الأمر الذي أثر بشكل كبير على مناعتهم الصحية وبنية أجسامهم التي تحوّلت لهياكل عظمية كما هو حاصل في مدينة الحديدة غرب البلاد، بالإضافة إلى ضعف القدرات الذهنية والتقزم. تجنيد إجباري للأطفال يواجه أطفال اليمن أكثر من شبح، نتيجة الحرب التي وجدوا أنفسهم فجأة من أبرز ضحاياها المجهولين بصور متعددة تؤثر على نفسيتهم ومستقبلهم المجهول، منها حرمانهم من التعليم بعد إغلاق وتدمير أكثر من 1640 مدرسة بالقصف الجوي وأخرى أقفلت لاستخدامها مراكز لإيواء  النازحين أو لأغراض عسكرية، الأمر الذي ساهم في ظاهرة التجنيد الإجباري للأطفال من قبل الحوثيين وإرسالهم للموت، كما يجبر الحوثيون بعض الأسر على تسليم أطفالهم الذين لا تتعدى سن بعضهم الثامنة بحجة القيام بتدريبات على حمل السلاح أو دورات تثقيفية ليعودوا لهم بعد أسابيع في توابيت، فقد تم الزج بهم في المعارك في جبهات القتال. كبر أطفال اليمن قبل أوانهم وشاخت ضحكاتهم المفقودة جراء الحرب الدائرة في البلاد منذ أربع سنوات وأصبحوا أباء صغاراً لأسرهم التي لم تعد قادرة على إعالتهم ولا إعالة نفسها نتيجة الفقر الذي حلّ بأكثر من 70% من المجتمع اليمني بسبب الانهيار الاقتصادي وتسريح أكثر من مليوني موظف من القطاع الخاص وانقطاع رواتب أكثر من مليون وخمسمئة موظف حكومي  منذ أكثر من عامين فخرجوا إلى الشوارع ليبحثوا عن عمل يحصلون منه على شيء يسد جوعهم وجوع أسرهم.أقوال جاهزة شاركغردسألتني ابنة أخي الصغيرة: "عندكم حرب؟"، شعرت ولا أزال حتى الآن أن فأسًا قد شقت رأسي، لم أستطع الرد عليها سوى بالهروب من سوط براءتها المجروحة التي تعتقد أن الحرب من الأشياء الطبيعية التي تحصل في كل العالم مثلها مثل الشمس والمطر واي عوامل طبيعية أخرى. شاركغرديواجه أطفال اليمن أكثر من شبح، نتيجة الحرب التي وجدوا أنفسهم فجأة من أبرز ضحاياها المجهولين بصور متعددة تؤثر على نفسيتهم ومستقبلهم المجهول، منها حرمانهم من التعليم. شاركغردوعادت ظاهرة زواج الصغيرات إلى الواجهة وبقوة وارتفعت نسبة الاغتصاب وتزايدت معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي وسط الأطفال وذلك بنسبة 63% عما قبل اندلاع الحرب وفق تقارير أممية إذ تم الإبلاغ عن أكثر من 8000 ألف حالة اغتصاب.عودة ظاهرة زواج الصغيرات وعادت ظاهرة زواج الصغيرات إلى الواجهة وبقوة وارتفعت نسبة الاغتصاب وتزايدت معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي وسط الأطفال وذلك بنسبة 63% عما قبل اندلاع الحرب وفق تقارير أممية إذ تم الإبلاغ عن أكثر من 8000 ألف حالة اغتصاب. يعتبر السلاح الأشد فتكًا في الحروب هو التدمير النفسي الذي يدمر التوازن النفسي للمدنيين وعلى وجه الخصوص الأطفال، وأطفال اليمن ليسوا بمنأى عن هذا الألم الذي سيعاني منه جيل بأكمله، كيف سيمحو العالم توسلات الطفل فريد؟ أحد أبناء مدينة تعز الذي أصيب بقذيفة من الحوثيين وهو يقول لطبيبه أثناء احتضاره: "لا تقبروناش"، ماذا سيقول  العالم للطفل أحمد، واحدة من ضحايا الضربات الجوية للتحالف في مدينة صعدة وهو يبكي أثناء إزالة الشظايا من رأسه بدون تخدير، لم يسأل الطبيب هل انتهيت ولم يقل أنه يتألم بل سأله بصوت ممزوج بالدموع: "باموت أو لا؟". طفل آخر نزح مع أسرته من صنعاء لعمان لم يستطع التأقلم مع الحياة رغم أن عمره لم يتجاوز الثامنة، وفي إحدى الحصص المدرسية تلقن المدرسة الطلاب في حصة الوطنية "أنا مواطن أردني" رفض يوسف أن يردد ما تقوله المعلمة وبعد محاولتها معه قال لها: "أنا مش مواطن أردني أنا مواطن يمني". كيف سيرمم الزمن حزن وصدمات تلك القلوب الصغيرة وهي ترى بلدها ومدارسها وحدائقها تدمر ولا تعرف لماذا؟ من سيواسي فيصل، ابن التاسعة، وهو يختلي بنفسه ويكتب رسالة كأنه يناجي حبيبته التي حرمته الظروف منها بعد أن أجبرته الحرب على أن يغادر هو وأسرته للقاهرة، فيكتب حنينه لبيته وأصدقائه وألعابه وشارعه ومدرسته ويقول: "لقد أجبرتني الحرب على الخروج من اليمن لكن اليمن في قلبي وفي عينَيّ". نعم هذه هي اليمن التي يموت أهلها في حرب مسكوت عنها، اليمن الموجودة في عيون وقلوب أطفالها الموجوعين والمشردين، والغائبة عن ضمير العالم. هذه التدوينة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي رصيف22. سماح الشغدري شاعرة وكاتبة من اليمن، ناشطة حقوقية وسياسية، معدّة ومخرجة برامج تلفزيونية وافلام وثائقية، مقيمة حاليًا في ألمانيا. التعليقات

مشاركة :