أن تحمل ضحايا الحرب على كاهلك، وتضعها على خشبة المسرح، ترى الجماهير يصفقون على ما قدمت من إبداع، ويحيون شجاعتك المسرحية، وأنت تحمل جثامين الشهداء التي أطلقتَ أرواحها على الخشبة، هذا يعني أن تُخرج الوطن من الورق ليرتديه أخوتك الضحايا على المسرح ويراه الحاضرون. هذا ما فعله أعضاء فرقة المسرح التعبيري، بالعرض العراقي "سيلفون"، الذي ألفه وأخرجه محمد مؤيد وأداه جسداً وتعبيراً كل من "صدام خلف، سلام محمد، محمد جزل، عماد سمعان، محمود مشيهل، كاترين هوّاش وعمار هادي" ، على خشبة المسرح الرئيسي، ضمن سابع أيام مهرجان الأردن المسرحي بدورته الثالثة والعشرين، والذي يُقام بالمركز الثقافي الملكي بالعاصمة الأردنية عمان. صرخة جاءت من وسط بغداد حالة مسرحية مغايرة جداً لكل ما عرضه مهرجان الأردن المسرحي إلى هذه اللحظة، اعتمد بمجمله على الرقص التعبيري الحديث "كريوغراف"، عبر العديد من اللوحات الجسدية التي حملت على كاهلها "الموت المجاني" الذي يتعرض له العراق بكل من يعيش فيه، وبكل الأعراق والأديان والمِلل منذ سنوات طويلة، مروراً بالعامين 2006 و2007 والقتل على الهوية، إلى جريمة "سبايكر" التي راح ضحيتها أكثر من ألفي شخص من طلاب القوة الجوية في قاعدة "سبايكر" على يد تنظيم "داعش" في مدينة تكريت العراقية عقب أسرهم، حتى الوصول إلى هجرة الموت بالعام 2015، التي حملت آلاف العراقيين على الذهاب بأنفسهم إلى الموت نزوحاً وهروباً من "داعش" والبشمركة والتحالف وقوات الحشد وغيرها. هذا الموت المجاني الذي يتعرض له العراقيون منذ سنوات طويلة، قدمه العرض بشكل مسرحي تعبيري، ربما كان أشد لهجة من كل الخطابات والمنابر، مستعيناً بتسجيلات صوتية لضحايا هذه المآسي الحقيقيين، خالقاً بعداً درامياً حقيقياً وملموساً، استطاع إيصال رسالة وصرخة الفريق إلى جمهور المهرجان. مدرسة جديدة على الخشبة العربية على الرغم من أن مدرسة الرقص التعبيري، مدرسة حديثة نسبياً، إذا تم تأسيسها بأوائل القرن العشرين، وتبدو أكثر حداثة بالوطن العربي، وتعتبر وليداً جديداً جداً بالعراق على وجه التحديد، إلا إن عرض "سيلفون" قدم هذا الفن الجديد بشكل ينبئ عن مدرسة تعبيرية مهمة على المستوى العربي، فرغم فقر الموارد والإنتاج، والأهم الحالة السياسية والأمنية التي تحيط بالعراق، إلا أنه كان تحدٍ نجح من خلاله فريق العمل أن يوصلوا أن الجمال والفن العراقي أكبر من ما يعانيه. العمل أداءاً.. أما في صميم العمل، فلا بدّ أن الإشتغالات الجسدية احتاجت إلى احترافية أكثر وتنظيم يُوحد حركات المؤدين، حتى بحالات الفوضى المقصودة والتي تحمل تأويلها الخاص أيضاً، إضافة إلى أن السينوغرافيا لم تخدم العمل بالشكل المطلوب، فبعمل يعتمد كلياً على الجسد، ولا مكان فيه للغة والمنطوق، فإن عناصر المسرح الأخرى من إضاءة وديكور إلى جانب الأداء البشري، عليها أن تكون لغة بديلة تقرب العمل أكثر إلى المتلقي، وتمهد إلى حالاته التأويلية، لكن بالرغم من ذلك يجدر بنا الإشارة مرة أخرى إلى أن هذا الفن جديد على المسارح العربية، والتجربة العراقية التي قدمها عرض "سيلفون" حملت معها خبرة جديدة، ووضعت بصمتها على هذا الفن عربياً. وبتصريح خاص لمؤلف ومخرج العمل محمد مؤيد لـ"سيدتي.نت" قال: "جاء عرض "سيلفون" عقب ساعات عمل طويلة امتدت إلى لـ6 ساعات يومياً، وعلى مدار 6 أشهر، بمختبر مسرحي يضم الجانب الجسدي من العمل، وحاولنا أن نقدم من خلاله احتجاجاً على مجانية الموت التي يتعرض لها العراقيون في بلادنا، ويتناول محاول ثلاثة، وهي "القتل على الهوية، جريمة سبايكر، وهجرة الموت"، ونتمنى أن نكون استطعنا أن نوصل صرختنا واحتجاجنا إلى العالم من خلاله.
مشاركة :