نصوص أسماء سليمان... الحياة التي تصرخ بوجه الموت

  • 6/23/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

< في لحظة نوستالجية من لحظات الفكر الإنساني انبثقت أولى بوادر الحركة «النسوية» في إشارة لا يمكن إغفالها، لمحاولة استعادة المكانة «العشتارية» للمرأة التي استحالت بفعل عوامل كثيرة إلى أقل من ذلك. مثلت هذه اللحظة الفكرية ردة فعل صارخة لكل مساعي إعلاء كعب الرجل، وانتقلت هذه الحركة إلى أشكال التعبير الفني والأدبي، وقدمت أعمالاً في غاية الروعة. وفي عالمنا العربي كان للنسوية دورٌ لا يمكن إغفاله، بسبب عوامل كثيرة ليس هذا مكان حصرها. أحد الأعمال التي يمكن لنا أن نتلقاها وفقاً لهذا المسار هو كتاب «موت لم تكتمل ملامحه» للكاتبة اليمنية أسماء سليمان الصادر عن نادي جازان الأدبي والدار العربية للعلوم «ناشرون»، الذي جاء مقسمًا خمسة أقسام، راوحت النصوص فيها بين قصيرة وأخرى قصيرة جداً، في حال وسط بين القصة الومضة والقصيدة الومضة، ما دفع الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح في مقدمته للكتاب أن يمنحه صفة الشعر، بينما أصرت الكاتبة على عدم تعريف جنسه، واكتفت بالإشارة «نصوص». في القسم الأول الذي حمل «أنات متآكلة لثرثرة منفية» ظهر الجانب المظلم للرجل في حياة المرأة العربية، التي عانت الويلات ومازالت، وإذ ظهرت هذه النصوص فيما يمثل الضمير الجمعي للنسوة العربيات، ظلت محتفظة بالطابع السردي ومركزة على الحدث الصادم وحريصة على المفارقة المدهشة، ولنا أن نقرأ هذا النص الذي يحمل عنوان: «هشاشة غير مرئية» «في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة نادى بحقوقها حتى/ بح صوته، وأصم آذان الحاضرين../ وعند نزوله من المنصة أدخل يده في جيبه ليتأكد من أنهُ أقفل/ باب المنزل على زوجته وبناته.» بناء صوري كهذا ظل حاضراً في كل نصوص المجموعة وشكل العمود الفقري للتعبير الفني لأسماء سليمان ، إن هذه الهشاشة التي عبرت عنها، هي هشاشة يمكن لنا أن نمسّها في حياتنا اليومية مغلفةً بعدد من العنتريات التي يضجُّ بها موروثنا الذي يعيش معنا، تلك العنتريات التي تتغنى بسطوة الرجل وتسلطه. قيل مرة إن الفعل الإبداعي لا يمكن أن يكون ردة فعل لكونه يجب أن يكون مبتدعاً، بينما تصدر كتابة أسماء سليمان عن ضرورة حقيقية لوجود ردة الفعل، وهي بهذه الطريقة تحاول قلب المعتقد السائد عن فعل الإبداع، من هنا تكمن أهمية الأعمال التي تنحى المنحى «النسوي»، إذ تعيد تشكيل مفاهيم جديدة عن العمل الإبداعي. في القسم الثاني من العمل الذي جاء حاملاً عنوان: «كزهورٍ تثرثر في مقبرة» كانت الكاتبة واضعة يدها على قلبها في دور أمومي لا يخرج عن الدور النسوي، وهي تتحدث عن واقع إنساني محيط بها، فهي إذ تخرج من هم جنسها تحاول أن توسع الدائرة قليلاً وتنجح، وبعبارات صغيرة كما فعلت في أغلب المجموعة، نقرأ لها نص «في ذروة الموت»: يسمعون صمتاً مدوياً للعالم وهو يشاهدهم/ فيلتقطون الأحجار بشجاعةٍ/ وثقة من أنهُ ستنبت للزيتون المحترق أوراق جديدة» ترتفع شاعرية الحدث في القسم الثالث من العمل الذي جاء حاملاً عنوان «قصاصات لوجوهٍ مهترئة» فنقرأ مثلاً في نص «لا حشرجة للبكاء»: في الوقت الذي كان فيه أهلي/ يتفاوضون مع ملائكة الرحمة بسعر العملية/ كان الموت قد أنهى/ تفاوضه معي». من الصعب جداً أن يتم تجاهل الحزن أثناء الكتابة، ذلك الحزن الذي ظل محركاً لكثير من الكتّاب الكبار في العالم، هو الذي غلف المجموعة التي ابتدأت بلفظة الموت وكأن الكاتبة أرادت أن تقول إن الموت الذي لم تكتمل ملامحه هو حزن مكتمل الملامح. في القسم الرابع من العمل، الذي جاء حاملاً عنوان: «موقدٌ لزفرات هاربة»، كانت وتيرة النصوص أقرب إلى السرد، مع الحفاظ على المنطقة الوسط التي أشرنا إليها سابقاً وكأن الكتابة لا تجد مكاناً تبتدئ منه أو تنتهي فيه، إنها كتابة لا تنتمي إلى أي مكان ولا تعرف أية ضفة، كتابة تحاول أن تختط نهرها الخاص فحسب، نقرأ مثلاً نصها «تمثال»: مرت أعوام/ ومارد الخوف ينحت تفاصيل تمثاله في حياتهم/ وحينما اكتملت صورته/ ذهلوا لحقيقته/ فزفرتهُ أنفاسهم/ معلنة تحطمه للأبد». تختم أسماء كتابها بالقسم الأخير الذي عنونته بـ«تقاطيع لحماقاتٍ سرية» اقتربت كعادتها أسماء من الحياة اليومية والتصقت بها وعبرّت عن لحظات خاصة جداً كتلك التي جاءت في نصها الذي حمل عنوان: «تيار»، نقرأ: «حين جرفهما تيار الحب/ كانا على يقين من أن القبيلة ستجرمه بسبب طبقات النسب/ التي بينهما/ فقررا أن يهربا به/ فعادا تحملهما الأكتاف» لم تنتصر أسماء لقيم الجمال في هذه المجموعة، ولكنها كانت متألمة من انعدام الجمال في محيطها تصرخ، فالكتابة كانت تعبيراً عن الألم، وتأكيداً أنه مازالت هناك فرصة للحياة، وهذه هي مهمة الكتابة بالدرجة الأولى.

مشاركة :