قبل نحو 50 عاماً، قدم المخرج روبرت ستيفنسون تحفته الموسيقية «ماري بوبينز»، ذاك العمل الذي فاض بالكثير من السحر السينمائي، الذي أضفته الممثلة جولي أندروز على قصة العمل الذي أصبح واحداً من أبرز الأعمال الكلاسيكية التي تناولت سيرة ماري بوبينز، تلك المربية الخارقة، التي خرجت أصلاً من رحم روايات الكاتبة الإنجليزية «بي إل ترافيس» (جسدت شخصيتها الممثلة ايما ستون في فيلم إنقاذ السيد بانكس 2013). ماري بوبينز، لم تفارق أبداً مظلتها، وهي التي تولت الإشراف على أطفال «بانكس» الذين يعيشون في أجواء أسرية يغلفها الملل والبرود، فتلجأ إلى استخدام قواها السحرية، وقدرتها الخفية لإضفاء المرح على الأسرة، في محاولة منها لمساعدة نفسها على أداء مهمتها وكذلك لمساعدة «بانكس» نفسه على أداء واجباته تجاه أسرته. وبقدر حنكة جولي أندروز، جاءت الممثلة ايميلي بلانت في فيلم «عودة ماري بوبينز» للمخرج روب مارشال، والذي اعتبر بمثابة جزء ثان لعمل روبرت ستيفنسون، حيث تألقت فيه بلانت، بعد تمكنها من تلبس شخصية المربية الخارقة، أو المثالية إن صح التعبير. رغم ما فيهما من سحر خالص، وإخلاص واضح لحكاية «ماري بوبينز» التي تدور في لندن، إلا أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال، عقد مقارنة بين نسختي الفيلم، فلكل واحدة منها ظروفها، وتوقيتها، وطريقة صناعتها الخاصة، ولكن القاسم المشترك بينهما يظل كامناً في طبيعة السحر الذي تضيفه السينما إلى الحكاية التي جاءت مصاغة بطريقة جديدة في «عودة ماري بوبينز»، لتتواءم مع طبيعة أيامنا الحالية، ذلك لم يكن قاصراً على نص السيناريو وحسب، وإنما الأغنيات والموسيقى أيضاً، رغم محاولة روب مارشال المحافظة على أجواء الفيلم الأصلي، ليأتي عمله متقناً ومشدوداً في حبكته ومشاهده، رغم الفارق الزمني الطويل بين العملين. في «عودة ماري بوبينز» بدت ايميلي بلانت، متقمصة جيدة لشخصية المربية، وبدت عملية مع جرعة زائدة من «المثالية»، معتمدة في الوقت نفسه على موهبتها، الأمر الذي مكنها من تقديم أداء لافت، ساعدها فيه طبيعة الأغنيات المختارة أو الرقص المبهج لفان دايك، والتي تمثل في مجملها «فسحة أمل بالنسبة للأطفال»، ما يدعونا لتجاوز بعض «العيوب» التي وقعت فيها بلانت خلال تجسيدها للشخصية، وقد يكون ذلك ناجماً عن طبيعة بعض التحولات التي مرت بها الحكاية، ومحاولة تقديمها بقالب جديد. في هذا الفيلم، كانت ايميلي بلانت ساحرة في طريقة تقمصها للشخصية، واستطاعت برفقة ثلة من النجوم وعلى رأسهم بين ويتشاو وإيميلي مورتيمر وجولي والترز وكولين فيرث وميريل ستريب وديك فان دايك وبيكسي ديفيس، استرجاع سلسلة من الكلاسيكيات السينمائية، لتعيد ايميلي إلى الذاكرة شخصيتها ودورها الرائع في «مكان هادئ» (A Quiet Place) للمخرج جون كراسينسكي، ليبدو أن 2018 كان عام فرح على الممثلة الأميركية.
مشاركة :