مارلين سلوم كيف تحافظ على السحر لأكثر من خمسين عاماً ويبقى مفعوله قوياً على الناس؟ كيف تحيي الأسطورة وتلبسها ثوباً قديماً دون أن يتمزق أو تضطر إلى ترقيعه، وتحيكه بحرفية وكأنك تعيش في الثلاثينات بكل الأجواء والشوارع وبنفس روح زمان؟ إنها حرفة يتقنها جيداً المخرج روب مارشال، ويترجمها ببراعة في «ماري بوبينز» الذي يستحق المشاهدة وبلا ندم. «والت ديزني» تجدد قديمها وتتجدد. تستعيد أرشيف أفلامها، وتصنع منها أعمالاً حديثة، وكأنها تعترف بأن «سحر زمان» لا يضاهيه سحر، ولن يفقد بريقه مهما مرت عليه عصور. أحيت «السندريلا»، و«الجميلة والوحش»، وأعادت أميراتها الحسناوات إلى الشاشة لتواكب كل الأجيال وتعود بجمهورها إلى حكايات الماضي الطفولية، وها هي تحملنا إلى عالم المربية «ماري بوبينز» لنحلق معها عالياً في فيلم استعراضي رائع يحاكي الجزء الأول منه والذي صدر عام 1964. «عودة ماري بوبينز»، ناجحة بامتياز. لا شك أن المخرج روب مارشال واجه فيها صعوبة كبيرة، كونه يتحمل مسؤولية تقديم الجزء الثاني من فيلم حقق حين عرضه على الشاشات في ذلك الوقت أكثر من 102 مليون دولار، وكان إخراج روبرت ستيفنسون، كتبه للسينما بيل والش ودون داجرادي، وأدت البطولة المبدعة جولي أندروز؛ فاستحق أن يدخل قائمة أجمل الأفلام العالمية، ومن أهم أفلام ديزني، ومازال يبهر الأطفال عند إعادة عرضه اليوم. المسؤولية كبيرة، والرهان صعب، خصوصاً أن الجمهور يقارن حكماً بين العملين، ويحكم بالنجاح أو بالفشل على المولود الجديد. يقول روب مارشال إنه أراد تقديم تحية تكريم وتقدير للنجمة جولي أندروز فعرض عليها الظهور كضيفة شرف في الفيلم، أو أن يكون لها إطلالة مميزة احتفاء بها، ففوجئ بكرم أخلاقها وتواضعها الشديد، حيث رفضت لفت الأنظار إليها لتسنح الفرصة أمام إميلي بلانت التي لعبت دور ماري بوبينز، كي تأخذ نصيبها من الأضواء والنجاح الذي تستحقه. العمل مأخوذ عن قصة «ماري بوبينز» للكاتبة باميلا ترافرز، وكتب الجزء الثاني دايفيد ماجي، جون ديلوكا وروب مارشال. يأخذنا المخرج عبر شوارع وأحياء لندن القديمة إلى العام 1930، وقد حرص على أدق التفاصيل في الديكور والإضاءة والملابس والإكسسوارات، فشعرنا بأن الفيلم «قديم وأسطوري» بكل ما فيه. لا يبدأ من حيث انتهى الجزء الأول، بل ننتقل مع الشخصيات نفسها سنوات إلى الأمام، لنرى مايكل بانكس (بن ويتشو) وشقيقته جاين (إميلي مورتيمر)، كبرا وأصبح مايكل أرملاً يرعى أطفاله الثلاثة، ومعه شقيقته والمربية «غريبة الأطوار» إيلن (جولي والترز). يجد نفسه محاصراً بالهموم بعد مرور عام على وفاة زوجته، وعليه تسديد ديونه للبنك الذي يعمل فيه، والذي من المفترض أنه يملك أسهماً فيه مسجلة في وثيقة تركها والده قبل وفاته. يحاول عبثاً العثور على الوثيقة، قبل أن يضع البنك يده على منزله الذي ورثه عن والديه. هذه المرة تعود ماري بوبينز (إميلي بلانت) من خلال أبناء مايكل، وعلى متن نفس طائرة الورق التي كان يلعب بها مايكل في طفولته، حين هبطت لأول مرة من بين الغيوم لتدخل حياة أسرة بانكس وتقلب أحوالها وتحل مشاكلها. الآن تأتي مجدداً لإنقاذ مايكل الذي يشبه والده في طريقة تفكيره، ومن خلال ولديه وابنته، فنعيش رحلة ممتعة مع السحر والأغاني والخيال، حتى النهاية السعيدة طبعاً. ميزة الفيلم أنه لا يقدم السحر بشكل مجاني، بل يترك للشخصيات أن تبذل مجهوداً في التفكير والعمل بشكل جدي والاجتهاد من أجل حل مشاكلها، ووجود بوبينز هو مجرد ضوء ينير الطريق ويمد يد العون، ولا تتدخل إلا حين تصل العقدة إلى ذروتها، ولا بد من حل سريع لإظهار الحق وإنقاذ الأسرة من الإفلاس ومن السيد ويلكنس الشرير (كولين فيرث)؛ مثلما نرى في مشهد إعادة الزمن إلى الوراء قليلاً، وإرجاع عقارب ساعة «بيج بن» خمس دقائق فقط. المشهد استعراضي جماعي مبهر. إميلي بلانت تألقت بدور ماري بوبينز دون أن تقلد جولي أندروز، فبدت أكثر حزماً وقسوة منها في بداية الفيلم، لتخفي ابتسامتها وطيبتها عن الأطفال، يحسبونها شديدة الحزم وبلا مشاعر، بينما هي في الحقيقة طيبة وتعلم كل ما يحاول إخفاءه الصغار والكبار. لين مانويل ميراندا بطل أيضاً في الفيلم، يأخذ دور جاك الذي كان يشغله سابقاً بيركت دايك. يشبهه في الملامح والأداء، وهو الشاب الذي يضيء مصابيح الشوارع، الموجود في كل مكان وكل وقت والمستعد دائماً للمساعدة؛ يمنحه الجزء الثاني مساحة جيدة، ويخلق له خطاً رومانسياً من خلال إعجابه بجاين. الفيلم يحتفظ ببعض شخصياته كما هي مثل «أدميرال بوم»، وديك فان دايك، الذي يؤدي نفس دوره السابق، السيد داوس وقد أصبح عجوزاً؛ هو ضيف شرف يظهر في مشهد واحد ومؤثر، تماماً مثل ميريل ستريب التي تجسد تاتيانا أو «توبسي» قريبة ماري بوبينز، وتؤدي مشهداً استعراضياً رائعاً؛ وأخيراً أنجيلا لانسبيري «السيدة بالون» والتي ما زالت متألقة حتى في الغناء الاستعراضي، وقد بلغت ال 94 من العمر! marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :