أيكون الجهل نعمة؟

  • 1/9/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

د. حسن مدن سيبدو السؤال أعلاه مستهجناً. كيف يكون الجهل نعمة فيما غاية البشر منذ أن أصبحت في رؤوسهم عقول هي التغلب على ظلمة الجهل، وولوج فضاءات المعرفة؟ وعن هذه الحقيقة تتناسل مجموعة أسئلة، لا بل حقائق؛ فكم عدد البرازخ التي اجتازها الإنسان كي يتغلب على مقادير ما يحيط به من جهل يُطوّق خطاه، ليصبح عارفاً، وممتلكاً للقدرة على توظيف ما عرفه من قوانين تحكم سير الكون والحياة، في أن يصبح عيشنا على كوكبنا أيسر وأقرب إلى ما نعده مباهج الحياة ومسرّاتها؟ إلى ذلك يمكن أن نضيف: أليس مسعى الأمم، كل الأمم وبدون استثناء، هو أن تتغلب على الجهل من خلال إشاعة التعليم وتوفيره لأبنائها، وتشجيع الثقافة والعلوم والفنون وكل ما من شأنه أن يزيح الجهل عن المساحات التي يحتلها لصالح المعرفة؟ كل هذا صحيح، وهو لم يكن خافياً عن ذهن الرجل الذي من أقواله استنبطنا السؤال الذي جعلناه عنواناً لهذا الحديث، ونعني به المفكر براترند راسل، الذي يصدمنا بحقيقة مفزعة، لكنها صحيحة للأسف، وهي أن استمرار بقاء الإنسان، وربما سواه من الكائنات على ظهر كوكب الأرض يعود، على الأقل ضمن ما يعود، إلى جهل الإنسان، كأنه يومئ، لا بل يجاهر بالاعتقاد أن الإنسان كائن لا يؤتمن على ثروة بحجم وعظمة الحياة على هذا الكوكب. جاء ذلك في سياق حديث راسل، عن تصوره لمستقبل الإنسان، منطلقاً في ذلك من المقارنة بين الماضي الذي كان فيه هذا الإنسان أقرب إلى الجهل، وبين الحاضر الذي أصبح فيه متمكناً من اكتشافات علمية مذهلة بلغها نبوغ العقل البشري، أدت، ضمن ما أدت، إلى أن يمتلك الإنسان وسائل تدمير كافية لفناء الحياة نفسها. حين أطلق برتراند راسل تحذيره هذا، لم تكن البيئة المحيطة بنا والتي بفضلها تأمنت لنا الحياة، بالدمار والتخريب بما بلغاه اليوم، حيث تذهب كل المعطيات إلى أن الحياة مهددة بالزوال فعلاً بفعل ما ينتظرنا من كوارث طبيعية مهولة، حين تقرر الطبيعة الانتقام لنفسها مما اقترفناه بحقها من جرائم. والنذر على هذا ليست قليلة، ومع ذلك فإن سادة الجشع المالكين لثروات الأرض لا يكترثون بها، ويستمرون في غيّهم. لكن الرجل تحدث عن خطر قنابل فتّاكة تنهي الحياة، أو الجزء الأكبر منها، في ثوانٍ أو ساعات أو أيام. وهو في هذا محق، طالما أن الأزرار النووية في أيدٍ معدودة، قد يبلغ الطيش بأصحابها إلى الضغط عليها في أي لحظة. madanbahrain@gmail.com

مشاركة :