عندما يكون الجهل... «نعمة»!

  • 6/25/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هل تعرفون كم هو متعب أن تكون ذكياً وأنت واع ومدرك لما يجري من حولك؟ أليس هذا الإدراك الذي لا حول لك ولا قوة لتغييره، أشد أذى؟ في يوم من أيام حكم نظام البعث، وكنا نؤدي الخدمة العسكرية التي تفرض على جميع العراقيين، وكنا للتو قد أكملنا دراستنا الجامعية، ويعرف من مر بتلك الفترة كم هي قاسية ومؤلمة، خصوصاً لمن يملك مؤهلاً علمياً أو ثقافياً وأدبياً. امتازت تلك الفترة بوجود فارق فكري وثقافي وعقلي بين الضباط والجنود، وبين الجنود أنفسهم، بين من يلتحقون بالخدمة لبلوغهم عمر الثامنة عشرة ولم يكملوا دراستهم، ومن يلتحقون بعد إكمالهم دراستهم الجامعية. خلال فترة سابقة جيء لنا بمجموعة من الجنود، وأذكر أنهم كانوا من صنف المدرعات، لحماية الموقع الذي كنت أخدم فيه، وتُركوا من دون مسؤول عنهم، ومنهم جندي صغير السن، مقارنة بأعمارنا نحن خريجي الكليات، يسكن ريف إحدى محافظاتنا الغربية، وكان ضحوكاً بسيطاً، يتميز بصوت جميل نسبياً حين يرتل القرآن، فكنا نحن الكبار، وعند حلول المساء، نُجلسه معنا، فيقول «أنتم كأعمامي»، فنلاطفه ونطلب منه أن يرتل لنا، ونستمتع بصوته وبسماع القرآن. فكل شيء ممنوع وضد النظام. في اليوم المشؤوم، حضر ضابطهم المسؤول لنقلهم إلى مكان آخر، ولسبب لم أعرفه، صفع هذا الصغير صفعة جعلته يسقط أرضاً، لكنه سرعان ما نهض. لحظتها توقف الزمن عندي، وكأنما أنا من تلقى الصفعة. اختنقت واختفى الهواء، وكدت أموت. حاول أصدقائي التخفيف عني فلم يفلحوا. حضر الصغير بعد قليل، وكان الغروب قد حل، وكنت أتلوى، وقال بلهجته الغربية البسيطة: «أشبيك عمي، أنا ما ضجت، وإذا ضربني... عادي». نظرت الى وجهه صامتاً، ثم انفجرت ببكاء هستيري فاجأ الجميع. بكاء لم أعرف حتى أنا سببه. هل هو بكاء مَن أُهين، ولم يستطع أن يرد إهانته؟ أم هو بكاء لسوء حظي، كوني أفهم وأعرف حقي وإنسانيتي؟! هدأتُ بعدها، فقد فرغت كل انفعالاتي بدموعي، لكن حينها لعنت الشهادة العليا التي درست لأجلها، والثقافة التي تعبت لأجلها، فهما سبب تعاستي، فما العيب في أن تعيش على هامش الحياة، لا تدري... ولا تدري أنك لا تدري؟! ألا نتمنى أحياناً، لو كنا جهلاء وبلا وعي ولا إدراك؟ ألن تكون في قمة الراحة والسعادة، ولن يضايقك أي حدث أو شيء؟! أليست نعمة؟ ما لي وللشهادة والثقافة؟ سيقال عنك انك بليد وأبله وبلا إحساس. أوليست نعمة في هذا الزمن الأغبر؟

مشاركة :