يا أطخه.. يا أكسر مخُّه | سعيد محمد بن زقر

  • 2/9/2015
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

مثل سائر الكلمات استخدمت كلمة (اشتراكية) في الغالب بتشويش يحيل المتلقي لمعنى تحكم الدولة في التخطيط الاقتصادي المركزي على نهج الاتحاد السوفياتي المنهار بينما دلالات العبارة لدى أهل الاقتصاد والتخصص لها مضامين ومنطلقات علمية وأكاديمية ورغم وضوح تلك المضامين إلا أنها لم تمنع من استخدام العبارة سلباً مما جعل وصف اشتراكي لا يقبل إلا معنى وحيداً على طريقة (يا أطخه يا أكسر مخه) بسبب التنميط السلبي وهو ما يطال الرأسمالية في نسخها المتوحشة أيام ريغان أو الريغانوميكس وكأن التطبيقات نسخة واحدة وكأن كل رأسمالية تقلل من الأنظمة وتشيع الخصخصة واضطراب الأسواق ،وبالتالي تتحمل الأزمات في الاقتصاد العالمي ..وإذ ينفي الواقع هذا الفهم الأحادي لأي نظرية فإن ذلك لم يمنع من وصم أي نظرية بالسلبيات التي تستدعي صور الفشل وهو فشل تطبيق وليس فشل نظرية ولو استنزف ثروات روسيا لأن من طبق رأى تكريس سيطرة خانقة على المبادرة الفردية وعلى التفكير والتعبير وعلى الانتاج وإدارة الاقتصاد بصورة أدت في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين العازل بين أوربا الغربية والشرقية أو ما وصف بنهاية التاريخ. وعلى كلٍ التوصيف الصارم للنظريات الإنسانية سواء كانت اشتراكية أو رأسمالية يقود تلقائياً لتطبيق خاطىء فالنظريات بطبعها اجتهاد بشري ناقص ،وقد نكتشف أنه معيب وقابل للتخطئة والتعثر والفشل ولكن ما هو أسوأ من ذلك ترسيخ درجة من اليقين بصحتها أو بدمغها بالسلبية المطلقة وحين يفشل التطبيق يتنقلها من سياقها الصحيح إلى آخر يكسبها معاني ليست لها ويحملها دلالات لا تمت لها بصلة. لا عجب أن صار مجرد ذكر الاشتراكية منفراً وأحيانا مخيفاً. وللمفارقة تطبيقات الاشتراكية ليست نسخة واحدة ومثلها الرأسمالية فكلاهما له أكثر من شكل ولون فهناك نسخة أوربية معدلة كالتجربة الفرنسية المتميزة أوروبياً وهناك ممارسات بريطانية تمثلها توجهات حزب العمال ما قبل تجربة ثاتشر وهناك تطبيقات رأسمالية يابانية بها مسحة اشتراكية وفي النرويج وفلندا واللكوسمبورج نمط ليس فاشلاً وينفي أن ممارساتها فاشلة وإن ربط بمفهوم وقوفها في مواجهة الدين. بالطبع كاتب هذه السطور يدرك بؤس التطبيقات الاشتراكية ويدعو لاستدراكها ولكن دون تكريس مفاهيم فكرية مغايرة. فالتوجه الاقتصادي بالتدخل في سياسات محلية ليس كله خبيثاً فإن رأيته كذلك فآخرون يرونه حميداً وأحيانا ضرورياً متى نضجت شروط التدخل لدفع الاقتصاد في مسار يراعي مصالح فئات اجتماعية أو يكبح زحف ظواهر ضارة كالفقر والبطالة ،إذ أن كلفة عدم التدخل هي ضرر بليغ بالأداء الاقتصادي للدول ولهذا بعض التدخل يؤثر إيجاباً في الاقتصاد وينبه إلى أن كل النظريات محايدة وموضوعية إذا فهمناها وأدركنا طبيعة المال في الدولة الحديثة وعلاقته بالسياسات الكلية وبطبيعة تفاصيل القيود المزدوجة بين المصارف والبنك المركزي وكيفية احتساب الاحتياطات في الاقتصاد فهذه التفاصيل تعكس ضرورة التدخل أو منعه في ظل علاقة اقتصادية كثيرة التشابك ..فالتأمل الصحيح يقود لاستنتاجات تتسامح مع تدخل الدول في مجالات بعينها ،أو لصالح شرائح بذاتها ولا يعني ذلك التحول تلقائياً للاشتراكية أو تبني أي من نسخها الفاشلة.

مشاركة :