حوار .. (عريض، طويل، متشظٍ) دار بين المنتمين إلى جمعية الثقافة والفنون، فحواه الرئيس عدم ورود اسم الجمعية في قائمة المؤسسات المدعومة، التي ورد ذكرها قبل أيام بمعية القرارات الملكية الكريمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، التي انعكست وستنعكس إيجابيا على المواطن والوطن ومؤسساته بإذن الله. وطالما كان الحديث جاريا حول الدعم الذي تلقته المؤسسات الثقافية والأدبية، كالعشرة ملايين ريال التي خُصصت لكل نادٍ أدبي، فكان من المتوقع أن يدور مثل هذا الجدل عن وضع الجمعية، وعدم تلقيها دعما مثله! وهو ما دفعني إلى كتابة هذا المقال على حلقتين لأضع القارىء الكريم على خلفيات لا يعلمها إلا المُتمرس في ثنايا هذا الكيان الثقافي الفني (جمعية الثقافة والفنون). شخصيا لم أكن لأستغربَ مطلقا ما حدث، لأن إشكالية جمعيات الثقافة والفنون مُعقدة ومُتشعبة، وتتطلب حلولا جذرية، وقراءة مُتعمقة من قبل مختصين بوسعهم تأطير وضع هذا الكيان الذي لا أبَ له ولا أم. فحتى هذه اللحظة لا نعلم هل هذه الجمعية ذات شخصية اعتبارية كما يُروّج ويُشاع؟ أم هي تابعة لوزارة الثقافة والإعلام حسبما يدور في الكواليس من معاملات وإجراءات؟ ويزيد الطينَ بلة يقيننا بأنها غير تابعة للجمعيات المرخصة في وزارة الشؤون الاجتماعية، وهذه في حد ذاتها إشكالية الإشكاليات، لأن الكيان المؤسسي الذي لم تُحدد شخصيته الرسمية عادة ما يتوه في دهاليز لا حصر لها ولا نهاية، وأعتقد بل أجزم بأن جمعية الثقافة والفنون مُصابة بحالة الضياع والتيه في مرجعيتها، حتى أن القائمين عليها لا يعلمون بهذه المرجعية حتى الآن. قضيت في جمعيات الثقافة والفنون ثلاثة عقود ويزيد، وجئتها في سن مبكرة جدا، وتحوّلت من متعاون إلى عضو رسمي إلى مدير لفرع الأحساء ولخمس سنوات تقريبا، وخرجت من هذا كله بأن هذا الكيان لم يكن يتطور من خلال العمل المؤسسي أبدا، إنما بجهود فردية وذاتية. وقد أعطي مثالا بتجربتي مع مبنى جمعية الثقافة والفنون بالأحساء الذي تحول بجهود ذاتية منا كمنتمين إلى هذا الفرع من مكان خَرِب إلى مكان قابل إلى حد ما لتفعيل المناشط، ومثلنا فعل الأستاذ عمر العبيدي الذي واجه نفس المشكلة في مبنى سابق، لتستمر الحكاية على هذا المنوال والسيناريو، إن أراد مدير الفرع التضحية بوقته ووقت أسرته وماله من أجل أن يصنع شيئا مختلفا في فترته، فعليه بالفعل أن يسلك طريق التضحية ولا غير، وإن أراد أن يخلد إلى الراحة والنوم فلن يسأل عنه أحد! أَضطر لذكر هذه الأمثلة الواقعية لأنني أرى إشكالية جمعيات الثقافة والفنون الحقيقية في مركزها الرئيس الذي يُشكل نَموذجا فعليا للعمل البيروقراطي، وحتى لا نرمي الكلام جزافا ودون مبررات أسوق الدليل الحي، من أن تجربة جمعية الثقافة والفنون الحقيقية ماثلة في فروعها، فهي النبض الحقيقي والروح الوثابة الفعلية، بل يرى كثيرون من المنتمين إلى هذه الفروع أن المركز الرئيس ـ وتحديدا في الآونة الأخيرة ـ صار معوقا لكبح جماح حماسهم وفاعليتهم. يُضاف إلى هذا مجلس الإدارة الحالي الذي لم يدخل غالبية أفراده في خضم جمعيات الثقافة والفنون ولم يكتووا بنارها على أرض الواقع، وهذا خلل كبير في اختيار مجلس إدارة هذا الكيان، رغم تقديري لهم كأشخاص لهم مجالاتهم ومنجزهم، وهي أشياء أعلمها وأقدرها بالتفصيل، إلا أن ثمة فرقا بين أن تكون منظرا، وأن تكون مجربا وتنظر عن وعي في تفاصيل التجربة وعمقها ... يتبع. أستاذ الأدب والنقد ـ كلية الآداب ـ جامعة الملك فيصل
مشاركة :