بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره انتقل إلى جوار ربه صباح يوم السبت24 جمادى الأخرة 1442 هـ الموافق 6 فبراير 2021م الوجيه مؤيد أحمد إبراهيم المؤيد عميد عائلة المؤيد عن عمر ناهز 99 عاما بعد حياة حافلة بالعطاء وأعمال البر ووارى جثمانه الثرى بعد صلاة العصر في مقبرة المنامة. عرف عن الفقيد اهتمامه بالقراءة في مختلف المجالات مما شكل له فكرا منفتحا ومستنيرا ورؤية عصرية، جعلته أحد رواد الثقافة والمعرفة منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي في مملكة البحرين ودول المنطقة، فمن المعروف أن وجود المكتبات والمطابع العصرية من أهم العوامل التي تساعد على نشر الحركة الأدبية والتعليمية والثقافية والفكرية وتطورها، وقد وفر الفقيد الكثير من الأمور المكتبية والمدرسية والقرطاسية والهندسية والصحف والمجلات والمطبوعات من خلال أول مكتبة عصرية وثالث مطبعة في البلاد ساهمت في طبع المطبوعات الحكومية والتجارية وجريدة القافلة التي صدرت في عام 1952 وجريدة الوطن وجريدة الميزان في عام 1955 واستمرت المطبعة حتى بيعها للسيد عيسى الزيرة في عام 1960 وتغير اسمها إلى مطبعة دلمون. ومازال الكثيرون من الذين عاصروا تلك الفترة الماضية يذكرون المكتبة الكائنة منذ إنشائها في موقعها الحالي على شارع الخليفة في قلب مدينة المنامة وذهابهم مع أولياء أمورهم لشراء مستلزمات ودفاتر المدرسة التي كانت باللون الأحمر ومطبوع على الغلاف أم أي أم وتعني مؤيد أحمد المؤيد وبعض الأناشيد وجدول الضرب باللغة الإنجليزية. كان الفقيد صاحب ذاكرة وطنية ثرية عن الأحداث التي عاصرها وسمع وقرأ عنها عن مراحل التطور الأدبي والتاريخي والحضاري والسياسي والعمراني التي شهدتها البلاد في عهود المغفور لهم بإذن الله أصحاب السمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة والشيخ حمد بن عيسى آل خليفة والشيخ سلمان بن حمد آل خليفة والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه. ومن المؤسف أن الظروف لم تسمح لي أو لغيري بتدوين ذكريات ومعلومات الفقيد عن تلك الأحداث التي عاصرها طوال عمره المديد وأحمد الله سبحانه وتعالى أن علاقتي مع الفقيد كانت منذ صغري فقد كنت أرافق والدي المهندس صلاح الدين وجدي المرحوم أحمد بن حسن إبراهيم لزيارته وكان الفقيد دائم الابتسامة والترحيب بنا وبجميع الزوار والزبائن وتوثقت علاقتي أكثر معه بعد دخولي مجال التجارة واستمرت تلك العلاقة الحميمة حتى أقعده المرض فقد كنت وإخواني نحرص على زيارته في جميع المناسبات وكنا نسعد برؤيته وأنجاله الكرام وكنا دائمي السؤال عنه وكان بدوره دائم السؤال عنا وكنا نتجاذب الكثير من الأحاديث وكان يزودني بمعلومات تاريخية مهمة عن البحرين ودول المنطقة ويعقب على بعض مقالاتي الصحفية التي أنشرها من وقت لآخر, وخلال تلك الزيارات كنت أدون بعضا من ذكرياته العامة والخاصة والعائلية ومنها: أنه ولد في بيت المؤيد الكبير «العود» بفريق كانو في عام 1922 ودرس بمدرسة الهداية الخليفية للأولاد في المنامة وهي الآن مدرسة عائشة أم المؤمنين للبنات وكان من زملائه والدي ومحمد جاسم كانو وآخرون وبعدها نقلوا إلى المدرسة الغربية والمعروفة الآن بمدرسة أبي بكر الصديق وكان معهم من الطلاب سليم نونو وكان مديرها الأستاذ سالم العريض وكان بالمدرسة طلاب من مختلف الأصول والديانات والمذاهب والمستويات وتعايشوا مع بعضهم البعض في وئام ومحبة واحترام، وعندما بلغ من العمر 16 عاما ذهب إلى الهند ودرس في «جامعة ملي إسلامي» في عام 1938 (وهي جامعة أهلية معروفة في دلهي وتم إنشاؤها في عام 1920 خلال فترة الاستعمار البريطاني وأصبحت جامعة مركزية استنادا لقرار من البرلمان الهندي في عام 1988) وقد توثقت علاقته مع سلمان أحمد كيكسيو الذي كان يدرس في نفس الجامعة وكان في سنة التخرج وقد مكث معه لمدة شهرين وتوثقت علاقته منذ تلك الفترة رغم معرفته السطحية السابقة وكان صديقهم الثالث في البحرين إبراهيم يوسف المعتز وكان من أوائل مقاولي الكهرباء المعتمدين واستمرت علاقتهم الحميمة حتى توفاهم الله سبحانه وتعالى وكما أعلمني الفقيد ان الدكتور قاسم بهزاد درس في كلية دلهي الطبية (تأسست في عام 1922 بقرار من الجمعية التشريعية المركزية الهندية وتعد واحدة من الجامعات الـ16 الأساسية في الهند) وقد ذهب إلى كراتشي بالباخرة وبعدها استقل القطار إلى دلهي ومن المصادفات السعيدة سفر المغفور له بإذن الله صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة حاكم البلاد آنذاك متوجها إلى الحج (في 2 ذي القعدة 1356 هـ الموافق 3 يناير 1938 بدعوة كريمة من المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ورافق عظمته حاشية من المرافقين) على نفس الباخرة وقد لمس الفقيد وبقية المسافرين الخصال الحميدة وكرم الضيافة التي يتحلى بها عظمته بدعوة ركاب السفينة لتناول الغذاء والعشاء طيلة فترة الرحلة. استمرت فترة الدراسة في الهند لمدة سنتين ورجع بعدها إلى البحرين بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية (1939/1945) وكان مدير الجامعة آنذاك الدكتور ذاكر حسين الذي اصبح ثالث رئيس للجمهورية الهندية بعد الاستقلال وأول رئيس مسلم في الفترة من 13 مايو 1967 حتى وفاته في 3 مايو 1969 وان جميع الاحتفالات والخطابات التي تقام في هذه الجامعة يحضرها السيد جواهر لال نهرو وقبل ان يصبح أول رئيس للوزراء بعد الاستقلال وكان نهرو شخصية قيادية ولديه بلاغة مدهشة في التحدث والخطابة باللغة الإنجليزية وقدرة على جذب انتباه المستمعين. وكل طالب في الجامعة يصبح عضوا في حزب المؤتمر الوطني الهندي «الكونجرس» وهو حزب سياسي واسع القاعدة في الهند وأسس في عام 1885 ومعارض بشدة لتقسيم الهند وكان مكونا آنذاك من مسلمين وهندوس وكان هناك انسجام وتعايش راق بينهم وكان للحزب نشاطات إسلامية خيرية عديدة مثل إقامة موائد الرحمن «الإفطار» خلال شهر رمضان الكريم. أعلمني الفقيد بوجود علاقة حميمة بين والدي وقريبهم علي محمد كانو رغم فرق السن بينهما وأن الحكومة قررت شق طريق وهو شارع الخليفة الان وكان يعرف بشارع براير وتم اقتطاع أجزاء من عمارة الشتر وعبدالله محمود (المعتز) وعمارة المؤيد التي كانت من العمائر الكبيرة في ذلك الوقت وتمتد إلى البحر وذلك قبل إنشاء شارع الحكومة, وبعد شق الشارع تم ربط قسمي العمارة بجسر علوي يسمح لهم بالتنقل ومرور السيارات تحت الجسر وكانت أعداد السيارات في ذلك الوقت معدودة وقد يستغرق نصف ساعة إلى ساعة واحدة حتى تعبر سيارة واحدة الشارع. yousufsalahuddin@gmail.com
مشاركة :