في الجزء الأول من المقال دار الحديث حول نقاط ثلاث، لها ارتباطها الوثيق بعدم دعم جمعية الثقافة والفنون ضمن القرارات الأخيرة، وأعدتها إلى عوامل ثلاثة: 1ـ التباس مرجعية الجمعية الرسمية، 2ـ بيروقراطية المركز الرئيسي، 3ـ عدم فاعلية مجلس إدارتها، بمعنى أن المركز الرئيسي لم يقم بدوره المطلوب في إيصال صوت الجمعية ومعاناتها لأصحاب القرار، وتفرّغ ـ للأسف الشديد ـ لمتابعة أوراق وملفات وقضايا جانبية لا تسمن ولا تغني من جوع، وكان واجبا عليه أن تكون قضيته الأولى وهدفه الأسمى إخراج الجمعية من مأساتها المالية، وبطرق احترافية يبدو جليا عدم توافرها. وأرى أن توجه إدارة الجمعية لفكرة التقشف التي أطلقها قبل سنة تقريبا وكيفياته في لفت النظر إلى الوضع البائس للجمعية أتت على الأخضر واليابس في سمعة الجمعية، بعد أن حاولنا تحسينها وتغييرها مجتمعيا بعرقنا وتعبنا وألمنا سنين طويلة، وهو أمر اتضح في ممارسات أخرى لمسؤولي الجمعية وآليتهم في طرح رؤيتهم مجتمعيا. كما أن طرحهم اللامتوازن لبعض المشروعات المتصلة بالجمعية اسهم في القضاء على ما تبقى من صلة، كالذي حدث في (برنامج الثامنة) حين تأملنا أن يُستغل لإيصال صوت معاناة الجمعية المالي ومشكلتها العويصة، فإذا بالحديث ينسحب فجأة إلى عموميات تخص الواقع الثقافي السعودي عامة، وهناك فرق شاسع بين أن تستعرض الوضع البائس لمقرات الجمعية وبناها التحتية المؤلمة، أو تتحدث عن أسباب تسريح العاملين من الجمعية، أو موازنات الأنشطة المضحكة وبين أن تَسْتَغِلَ منبرا اعلاميا كهذا في الحديث عن مشروع الثقافة السعودية بعمومها، نعم هناك فرق كبير، فضاعت الحلقة وضاع الهدف. شاهدنا أيضا لقاءات إعلامية عديدة ارتكز فيها حديث مسؤولي الجمعية على طرح انفعالي متسرع إلى حد كبير يطالب بالسينما وبأقسام الموسيقى، وإني لعلى علم بأن إدارة الجمعية أدرى من غيرها بحاجة الجمعية إلى طرح هادئ في مجتمع كمجتمعنا، الذي لا تجدي معه نفعا سياسة مسك (السلم) بالعرض، فالحصيف يدرك أنه مجتمع حساس للغاية تجاه هذه القضايا، وأول الأمور التي تتوخاها في طرح نفسك ومشروعك الوعي بمحيطك وتفهم مواطن حساسيته، وذاك أمر اختلط على القائمين على جمعية الثقافة كما بدا لي، بين أن نطرح مشروع التحديث في المجتمع السعودي عبر مطالبات صاخبة بالسينما والموسيقى، وبين صناعة وعي متدرج بوسعه تجيير المعارضين إلى صفك، لا ضخ قوة معارضة مضاعفة لمعاداتك. إنني وبكل تجرد أرفع صوت الشباب السعودي المحب للإبداع بشتى صنوفه، والتي كُلفت جمعية الثقافة والفنون بتحمل مسؤوليته، لأقول إن شباب جمعيات الثقافة والفنون متمسكون بها لحبهم الصادق لفنونهم، وعلى المسؤول الذي فشل في أن يرفع صوتهم ويبلغ معاناتهم أن يتنحى كي لا يظل الوهم قائما بأن التقشف رسالة موجهة وعلينا أن نصبر إلى أن نجد حلا، أو عليكم يا أعضاء الفروع ومديريها أن (تتنططوا) من مكتب رجل أعمال إلى آخر، ومن مؤسسة إلى أخرى كي تجدوا لأنشطة فروعكم راعيا، وأظن أن تجاربنا جميعا في هذا المسار فاشلة للغاية، فقد فعلنا المستحيلات لنقنع القطاع الخاص بجدوى المسرح والفنون ولا تزال النظرة قاصرة غير مشجعة، وهذا الأمر لا أظنه غائبا عن رئيس الجمعية ولا نائبه ولا مجلس الإدارة الموقر، ومن نزل الميدان وعانى الأمرين وجرّب إدارة فروع الجمعية قادر على الحديث بكل ثقة في مثل هذا الموضوع تحديدا. أستاذ الأدب والنقد ـ كلية الآداب ـ جامعة الملك فيصل
مشاركة :