منذ أكثر من شهر وهناك حملة منظمة في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الندوات واللقاءات وغيرها تطالب بإسقاط قروض المواطنين. تقدم خلال هذه الفترة وبتاريخ 13 ديسمبر 2018 النائب ماجد مساعد المطيري باقتراح بقانون بشراء الدولة للقروض الشخصية والاستهلاكية للمواطنين وطريقة سدادها. أشار القانون المقترح في ديباجته إلى قانون 32 لسنة 1992 أي قانون المديونيات الصعبة. مع ذلك وبالرغم من كثرة المقارنة بين القانونين فإن هناك اختلافات عدة منها: • قانون المديونيات الصعبة أتى لمعالجة ظروف اقتصادية سيئة واستثنائية بعد الغزو سنة 1992، بينما القانون المقترح ليس علاج لأي ظرف استثنائي بل أتى كردة فعل للفساد وللهدر الحكوميين. • قانون المديونيات الصعبة يشتري المديونيات من البنوك مقابل اصدار سندات حكومية لها، بحيث تنتقل المديونيات مع الضمانات إلى الدولة دون اعفاء المديونين من سدادها. بينما القانون المقترح يجبر الدولة على إيداع مبالغ بقدر قروض المواطنين لدى البنوك حتى تاريخ اصدار القانون بحيث تسدد فوائدها أو أرباحها مديونية المواطنين دون أي مساهمة منهم. ولو حاولنا أن نركز على كيفية تنفيذ القانون المقترح، سنجد الإشكالات الآتية: 1 – بطبيعة الحال تكون فائدة الودائع أقل من فوائد القروض وإلا لما أمكن للبنوك أن تربح من الإقراض. وهذا يعني أن الاعتماد على ودائع مماثلة لقيمة القروض لا يمكنه أن يغطي فوائد القروض نفسها. وستحتاج الدولة في هذه الحالة إلى ودائع أضعاف قيمة القروض لتغطية الفوائد فقط. فما بالنا بأصل الدين الذي يتم تسديده مع قسط القرض؟ كم ستكون قيمة الودائع المطلوبة لذلك؟ 2 – لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل فوائد الودائع الحكومية عن المال العام أو التعامل معها بتساهل أكبر أو توزيعها بدون فائدة حقيقية للاقتصاد وكأنها أموال وقف أو ما شابه. لأن هذه الفوائد أو الأرباح جزء من أموال الدولة كما هو أصل مبلغ الوديعة نظرا لأنه يفترض أن يكون هناك عائد مطلوب تحقيقه على أموال الدولة (السائلة بالذات) وإلا أخذت قيمة أموال الدولة تتلاشى مع الوقت بسبب التضخم. إلى ذلك، لو حاولنا أن ننظر لمقترح إسقاط القروض من زاوية أخرى، أي كوسيلة لمساعدة المحتاج من المواطنين أو كوسيلة لتوزيع الثروة عليهم، سنجد الآتي: • مقترح اسقاط القروض كوسيلة لمساعدة المحتاج من المواطنين: حسب التصريحات الأخيرة يوجد 429 ألف مواطن مقترض من البنوك وشركات الاستثمار، ولكن هل هذا يعني أن جميع المواطنين المقترضين في ضائقة مالية؟ ألن يكون هناك هدر لأموال الدولة بمساعدة غير المحتاج من المواطنين؟ أين العدالة في اسقاط ما تبقى من مبالغ القروض مع اختلافها بين مواطن وآخر وحتى مع من لم يقترض من الأساس؟ لذلك، يكون من الأنسب انشاء صندوق جديد على غرار صندوق المعسرين بهدف مساعدة المواطنين المقترضين ولديهم ضائقة مالية حسب شروط وأحكام مناسبة ليكون الصندوق ذا فاعلية ليقلل هدر المال العام. • مقترح اسقاط القروض كوسيلة لتوزيع الثروة: لو نظرنا إلى مقترح اسقاط القروض كوسيلة لتوزيع الثروة وهو أي توزيع الثروة أمر محمود وتقدم المساواة فيه في بعض الأدبيات الاقتصادية حتى على محاربة الفساد، سنجد أن مقترح اسقاط القروض حسب نصه ينافي مبدأ المساواة في توزيع الثروة بسبب التمييز بين المقترض وغير المقترض والتمييز بين المقترضين أنفسهم نظرا لاختلاف ما تبقى من أصل الدين لكل منهم. لذلك، تكون المنحة لكل المواطنين الأحياء في تاريخ معين أفضل بكثير في توزيع الثروة من مقترح اسقاط القروض نظرا لتحقيقها قدر أكبر من المساواة في توزيع الثروة. هل قامت أي دولة في العالم بإسقاط الديون عن المواطنين؟ يشير العديد من معارضي مقترح اسقاط القروض إلى أنه لا توجد دولة في العالم تسقط القروض عن المواطنين ولكن الحقيقة غير ذلك تماما. اذ بالرغم من غرابة المفهوم، إلا أنه في يونيو 2018 دخل قانون تم إقراره في كرواتيا، ذات الـ 4 ملايين مواطن، حيز التنفيذ والذي أسقط على إثره ديون 150 ألف مواطن بما لا يتجاوز 10 آلاف كونا كرواتية أي ما يعادل 470 دينار كويتي. تم اصدار هذا القانون بسبب حجز البنوك على حسابات أكثر من 326 ألف مواطن ولاعتقاد الحكومة هناك أن فوائد هذا القانون على المدى البعيد ستفوق تكاليفه الحالية. محمد رمضان كاتب وباحث اقتصاديrammohammad@
مشاركة :