تعتبر "النار الإغريقية" أفتك سلاح عرفه الإنسان قبل اختراع البارود، وربما إلى اليوم لا تزال سراً مجهولاً من حيث تركيبها الكيماوي. ويطلق عليها أيضا "النار السائلة"، وحيث كانت سريعة الاشتعال، ويمكن لها أن تستمر في الالتهاب وبشدة مع صبّ الماء عليها وهذا ما يعطيها طابعًا سحريًا. وإذا كان ليس من المؤكد طبيعة المواد المكونة لها، فالغالب أنها تشمل الكحول والنفط وبعض الصخور والكبريت والقار. الاختراع والاستعمال يشير المؤرخ البيزنطي ثيوفانس أن مخترع النار الإغريقية هو المهندس الفينيقي كالينيكوس، الذي تعود جذوره إلى بعلبك اللبنانية، وذلك بحدود عام 670م. كما ثمة اعتقاد بأن هذا الاختراع من التأثيرات العلمية للحضارة الهيلينية، وهي فترة متأخرة من الحضارة الإغريقية، تمتد منذ أوائل القرن الرابع قبل الميلاد وحتى موت الإسكندر المقدوني في 323 ق.م. وقد استعملت النار الإغريقية في العديد من الحروب القديمة الشهيرة مثل الدفاع عن القسطنطينية وفكّ الحصار عنها في عام 674م، أيضا في حرب الاسترجاع الشهيرة للقدس سنة 1187م بقيادة صلاح الدين الأيوبي. النار الصينية هناك اعتقاد بأن الصينيين توصلوا لمادة مشابهة، استخدمتها البحرية الصينية في الحروب، وقد كانت تستخدم في قذائف المنجنيق أو في القنابل اليدوية، وذلك منذ نهاية القرن العاشر الميلادي. وعن طريقة استعمال النار الإغريقية فهي تتشكل كمزيج محروق في قدور كبيرة على متن السفن الحربية، ومن ثم تضخ في مصبات من النحاس حيث يتم نفثها باتجاه سفن الأعداء. كيف تعمل النار الإغريقية؟ تصوّر بعض الرسومات القديمة هذه الطريقة التي تعمل بها النار الإغريقية في البحر وسط المعارك الحربية، حيث تحوي العديد من المخطوطات من القرن الحادي عشر مثل هذه الرسومات. لقد كانت تلك النار الغامضة سببًا في تأخر دخول المسلمين إلى القسطنطينية والمدن البيزنطية، لكن المسلمين استفادوا منها لاحقًا في حروبهم ساعة تعرفوا عليها بشكل جلي. وظلّ سر النار الإغريقية يتم تنقله بسرية تامة ولحوالي أربعة قرون لم يكن إلا قلة متخصصة هي التي تعرف حقيقة هذه المادة الفتاكة والغريبة، ولم يكن لسوى الملوك والأباطرة التحدث بهذا السر وتمريره للآخرين. التحذير من نقل السر! كانت بعض الكتابات المرتبطة بالكنيسة، تروج بأن من يكشف سر النار الإغريقية سوف تحل به اللعنة؛ والسبب يرجع في واقع الأمر إلى التخويف من أن يقوم أحد بنقل تركيبتها السرية إلى الأعداء. في مقابل ذلك فإن علماء الكيمياء كانوا يبذلون الجهود لسبر أغوار هذه المادة الساحرة، وهذا ما جعلها تجتذب اهتمام سواء المؤرخين العسكريين أو العلماء أو العديد من العاملين في هذا الحقل عمومًا.
مشاركة :