إن يوم التغطية الصحية الشاملة الذي يحتفل به العالم سنويا، فرصة لتسليط الضوء على ما تحقّق من تقدم على مستوى العالم نحو بلوغ هذه الغاية. وبفضل القيادة الوطنية القوية والإصلاحات الطموحة، شهدت معظم أجزاء العالم توسعا في إمكانية الحصول على الخدمات الصحية، والجهود لتيسير تكلفتها، وذلك وفقا لنتائج دراسة حديثة لمجموعة البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية. وهو أيضا عامل رئيس لبلوغ هدفي مجموعة البنك الدولي؛ لإنهاء الفقر المدقع، وتعزيز الرخاء المشترك، ولا يمكن تحقيق هذين الهدفين ما دام الملايين من الناس يسقطون في براثن الفقر كل عام؛ بسبب نفقات الخدمات الصحية، وكما تشير بيانات من 183 بلدا في قاعدة بيانات مجموعة البنك الدولي لعام 2018 عن مؤشرات الإنصاف والحماية المالية في مجال الرعاية الصحية. تشكل تكاليف الرعاية الصحية عبئا كبيرا يثقل كاهل الأسر. ولو أن هؤلاء المرضى البالغ عددهم 800 مليون شخص يعيشون في بلد واحد، لكانوا ثالث أكبر تجمع سكاني في العالم. وتشهد كل مناطق العالم هذه الأعباء المالية. وقد تحجب هذه الأعداد الكبيرة المعاناة اليومية للأفراد والأسر حينما يعجزون عن الحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها: الرضيع الذي لا يتم تحصينه ويموت من الالتهاب الرئوي، والطفل المصاب بالتقزم الذي تشوب أداءه الدراسي وتعلمه دائما معوقات، والحامل المراهقة التي تعجز عن الحصول على خدمات تنظيم الأسرة وتضطر إلى ترك الدراسة، والأم التي تنزف بعد الولادة ولا يتاح لها الحصول على مشتقات نقل الدم. "إن السبيل الوحيد لكي نُقدم حقا الرعاية الصحية لكل فرد في كل مكان في العالم هو أن نُحدِث تغييرا جوهريا في النظام القائم؛ حيث تطلب الحكومات والشعوب مزيدا من الاستثمارات في الرعاية الصحية". ينطوي هذا الحرمان من الرعاية الصحية على ظلم، وهو أيضا إهدار لطاقات الإنسان ورأس المال البشري للبلدان. ويتألف رأس المال البشري من المعارف والمهارات والقدرات الصحية التي تتراكم لدى الأشخاص على مدار حياتهم، وتمكِّنهم من استغلال إمكاناتهم كأفراد منتجين في المجتمع. إن وجود سكان أصحاء متعلمين وقادرين على مواجهة التحديات والأزمات عنصر أساس لقدرة البلدان على المنافسة بفاعلية في الاقتصاد العالمي. وينبغي النظر إلى أن العيش سنة إضافية بصحة جيدة هو وقود يُذكِي نمو الاقتصاد، ولهذا تعني التغطية الصحية الشاملة الاستثمار على مدار العمر. يختلف المسار إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة من بلد لآخر، وتساند مجموعة البنك الدولي البلدان من خلال تقديم التمويل والمشورة بشأن السياسات، والمساعدة الفنية، وإنتاج البحوث والمعارف، وجمع مختلف أصحاب المصلحة حول أهداف مشتركة. وتحقيق التغطية الصحية الشاملة هو القوة الدافعة لاستثمارات مجموعة البنك في مجالات الصحة والتغذية والسكان، التي بلغت في السنة المالية 2018 نحو 14 مليار دولار. ومن خلال مشروعها الجديد لرأس المال البشري؛ وهو جهد يستهدف تسريع وتيرة الاستثمارات في البشر كمًّا وكيفًا، تعهدت مجموعة البنك الدولي بتعزيز استثماراتها في مجالات مثل الرعاية الصحية. ويقيس مؤشر رأس المال البشري، الذي أطلقه المشروع، أداء البلدان، ويُصنِّفها وفقا لرأس المال البشري المتوقع أن يكتسبه طفل مولود اليوم وهو في سن الـ 18 من خلال استثمارات في الصحة والتعليم، ويُظهر المؤشر مقدار الدخل الذي تخسره البلدان بسبب الفجوات وأوجه النقص في رأس المال البشري. وتعد حكومات البلدان أكبر مُحرِّك للتغيير والاستثمار في رأس المال البشري، ومن ذلك الرعاية الصحية... يتبع.
مشاركة :