المترجم شوقي جلال: نعيش عصر الترجمة الموجَّهة

  • 1/16/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

حصل المترجم الكبير شوقي جلال أخيراً على جائزة رفاعة الطهطاوي التي يمنحها المركز القومي للترجمة في مصر سنوياً، وذلك عن ترجمته كتاب «موجات جديدة في فلسفة التكنولوجيا»، من تأليف جان كيربرج أولسن. ويعد شوقي جلال واحداً من أبرز الأسماء التي احتلت موقعاً خاصاً في عالم الترجمة، فقد أثرى المكتبة العربية بأكثر من 45 كتاباً مترجماً في شتى فروع المعرفة، وجائزة الطهطاوي ليست الأولى التي ينالها، إذ حصد جوائز عدة أبرزها جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. عن كتابه وجائزته ومسيرته في حقل الترجمة التقته «الجريدة» في هذا الحوار. نلت جائزة رفاعة الطهطاوي عن كتابك «موجات جديدة في فلسفة التكنولوجيا». ماذا عنه؟ صدر الكتاب عن المركز القومي للترجمة، وهو يركز على التحديات المهولة التي تفرضها المشغولات الفنية والمناهج والمنظومات على كل من الفلسفة والمجتمع، ويكشف عما تنطوي عليه التكنولوجيا من نفع وخطر، إذ تمثل على مدى التاريخ وعداً بتعزيز مطرد للبشرية، إلا أنها في الوقت نفسه قد تكون نذير دمار وفناء. وإذا طرحنا القضية في ضوء الأجيال البشرية نجد أن الموجات أو الأجيال الأولى من المفكرين رحلوا في الغالب الأعم، ولكن حري بنا ألا ينسى أي منا أن الإنجازات التكنولوجية تعبر عن نفسها والتحولات واضحة في هذا الكتاب. ماذا تمثل لك جائزة الطهطاوي؟ أعتز بها كثيراً، وبكل الجوائز التي حصلت عليها طيلة مشواري مع الترجمة، كجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وأرى أنها تقدير كبير وحافز قوي لمواصلة المسيرة. أما عن الطهطاوي، فإن أسهاماته معروفة في نقل الأساليب والمفاهيم الحديثة إلى العالم العربي، فهو عندما ذهب في بعثة إلى باريس أخذته الصدمة الحضارية وانتبه سريعاً، وانطلق في مسيرته التحديثية. شغف الترجمة لماذا اخترت مجال الترجمة وإلى متى يعود شغفك بها؟ شكلت الترجمة جانباً كبيراً من تكويني الثقافي منذ الصغر. نشأت وسط أسرة تحب القراءة وأب شغوف بمطالعة الأدب العالمي وأحدث الإصدارات في الغرب، ورغم أنه كان يعمل موظفاً في وزارة الحربية فإنه كان مهتماً بالثقافة والأدب وكان يجلب لي الكتب المترجمة، خصوصاً وأنا في المرحلة الثانوية حينما قرأت لإينشتاين وداروين، وتعلقت بهذه النوعية من الكتب، وساعدتني في ذلك دراستي في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة. وترجمت وأنا في السنة الثانية بالجامعة كتاب «مذكرات داروين» صاحب نظرية التطور، واختياري هذا المجال أتاح لي قول ما أريد بعيداً عن الرأي السياسي المباشر بالتستر خلف المؤلف الأصلي، ليس لتغيير النص ولكن لإيحاء من خلاله موقف معين، أو لفت الانتباه والتركيز على أمر ما من الصعب التحدث به بصراحة. هل تعتبر الترجمة عملية إبداعية أم هي مجرد نقل؟ تحتاج الترجمة إلى جانب إبداعي وجانب معرفي فضلاً عن الذكاء، وذلك كأي عمل جيد في أي مجال من المجالات. كل مبدع لديه ذكاء وقدرة على ابتكار شيء جديد، والترجمة تحمل درجة من الإبداع ولكن يجب أن يكون على أساس كبير جداً من المعرفة والبحث، بمعنى أنني رغم عملي فيها منذ أكثر من 60 عاماً فإنني ما زلت استخدم القاموس ولا أستطيع العمل إلا وفي جواري مجموعة كبيرة متخصصة من المراجع اللغوية. ويجب على كل مترجم أن يقوم بذلك، وهنا يأتي دور الإبداع الذي يجعلني أختار المعنى الأكثر ملاءمة. أمانة المترجم وما مدى الالتزام بالنص الأصلي؟ الترجمة هي النقل الحرفي الأمين من دون محاولة للتدخل في شكل النص من المترجم. ماذا عن طرائق الترجمة الآن؟ اتسع مجال الترجمة، ولم تعد كالعقود الأولى من القرن حينما كانت تقتصر على أدب روسيا أو فرنسا. أما اليوم فثمة ترجمة للعلوم والمسرح والشعر والتاريخ والاجتماع، وثمة ترجمة موجهة إلى القارئ العادي وأخرى إلى الطالب المتخصص، إضافة إلى أن الترجمة الآن تقوم على نظريات وضعت بعد بحوث كثيرة. بينما كنا نترجم قديماً على أساس حكمنا على النص الأجنبي في سلامة لغته، تتوافر اليوم الترجمة التوصلية والترجمة المعرفية وأنواع أخرى كثيرة، وما يلزم لغرض قد لا يناسب غرضاً آخر. واقع الترجمة ما رأيك في واقع حركة الترجمة راهناً؟ رغم وجود مؤسسات كبيرة للترجمة فإن حركة الترجمة ما زالت تتحكم فيها الفردية والعشوائية سواء في اختيار النصوص أو تقديم ترجمات متعددة للنص نفسه. كذلك ثمة عدم دقة في الترجمة، ما يضرّ بالمعنى ويشوهه، فضلاً عن التركيز على نصوص ذات قيمة غير كبيرة على عكس ترجمات الفترات السابقة حينما كان المترجمون الجيدون يلبون حاجة لدى القارئ العربي. مثلاً ترجمة خليل مطران لشكسبير، رغم وجود تحفظات عليها فإنه يحسب للشاعر أنه عرَّف العرب بشكسبير وقدمه لهم إلى أن اصبح قوة حاضرة في الثقافة العربية. ترجمات ومؤلفات ترجم شوقي جلال كتباً علمية وفلسفية وأدبية إلى العربية، من بينها «الشرق يصعد ثانية، والعولمة والمجتمع المدني، والسفر بين الكويكبات، والعالم بعد مائتي عام (تأليف هرمان كان وآخرين عن سلسلة عالم المعرفة)، والتراث المسروق» (يتناول دراسة نقدية مقارنة للمفكر الأميركي جورج جيمس تهدم كثيراً من الأفكار التي غرسها في الأذهان الرجل الغربي الأبيض وباتت من المسلمات بالتقادم، وكان هدفها محو ثقافة الشعوب السوداء وطمس تاريخها لإحكام السيطرة على مقدراتها). ولد جلال في 30 أكتوبر 1931 بالقاهرة وحصل على ليسانس كلية الآداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة. صدرت له كتب عدة من بينها «التراث والتاريخ.. نظرة ذاتية، والحضارة المصرية.. صراع الحضارة والتاريخ، وثقافتنا والإبداع، والترجمة في العالم العربي.. الواقع والتحدي».

مشاركة :