مع دخول الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية يومه الـ26، تتراكم الأضرار التي يتكبدها الاقتصاد الأمريكي ككل، بفعل أثره السلبي الشديد على العمال الفيدراليين ورجال الأعمال والمسافرين وغيرهم. وبدأ الإغلاق الحكومي في 22 ديسمبر الماضي بسبب عدم اتفاق مجلسي النواب والشيوخ على مشروع الموازنة نتيجة إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تخصيص خمسة مليارات دولار لتمويل بناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك لوقف الهجرة غير الشرعية، وهو ما يرفضه الحزب الديمقراطي المسيطر على أغلبية مقاعد مجلس النواب. ونقلت قناة "سي إن بي سي" عن مسؤول في إدارة دونالد ترامب قوله -حسب وكالة الأنباء الصينية (شينخوا)- أنّ إغلاق الحكومة (الأطول في تاريخ الولايات المتحدة) يخصم 0.1 نقطة مئوية من النمو الاقتصادي أسبوعيًّا، وهو ضعف ما كان متوقعًا في الأصل. وبالإضافة إلى تأثيره على 800 ألف عامل فيدرالي لا يتقاضون رواتبهم؛ تناول آخر تقدير للبيت الأبيض أيضًا الخسائر الكبرى التي تكبدها متعاقدو القطاع الخاص الذين فقدوا عملهم، وكذا الخسائر الناجمة عن تعطل أوجه الإنفاق والتشغيل الحكومية الأخرى. وقال خبراء اقتصاديون -حسب الوكالة- إنّ الموظفين الذين فقدوا رواتبهم، ومنهم العاملون الحكوميون والمتعاقدون؛ سيتعين عليهم خفض مشترياتهم، وهو ما سيؤثر بدوره سلبًا على الإنفاق الاستهلاكي. وفي وقتٍ سابق من شهر يناير الجاري، أجرت صحيفة "وول ستريت جورنال" دراسةً أظهرت أنّ 73 اقتصاديًّا توقعوا أن ينمو الناتج الاقتصادي بنسبة 2.2% في الربع الأول، منخفضًا انخفاضًا طفيفًا عن التوقعات السابقة قبل الإغلاق، لكن من المرجح أن ينحدر ذلك أكثر إذا استمر الإغلاق. وفي إشارة أكثر تشاؤمًا، قال جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورجان تشيس"، أول أمس الثلاثاء؛ إنّ الإغلاق قد يؤدي إلى تراجع النمو إلى الصفر لو استمر طوال الربع. وذكرت أيضًا غرفة التجارة الأمريكية (أكبر مجموعة ضغط في البلاد)، الأسبوع الماضي، أنّ "الإغلاق يضر بالشعب الأمريكي ومجتمع الأعمال والاقتصاد". وفي رسالة وجّهها إلى أعضاء الكونجرس، حدد نائب الرئيس التنفيذي للغرفة نيل برادلي، العواقب السلبية للإغلاق ممثلةً في عدم قدرة الشركات الصغيرة على تلقي المساعدة من إدارة الأعمال الصغيرة، وإرجاء عملية الاكتتابات العامة الأولية، وتعليق مراجعة عمليات الاندماج والاستحواذ، وعدم قدرة الشركات على الحصول على الموافقات المطلوبة بموجب القانون لبيع منتجاتها. وحسب الوكالة، يعد قطاع الطيران من القطاعات التي تضررت بشدة بسبب الإغلاق الجزئي. وقال إيد باستيان الرئيس التنفيذي لخطوط "دلتا إير لاينز" إنّ الإغلاق سيؤدي إلى تراجع إيرادات الشركة بنحو 25 مليون دولار أمريكي في الشهر الجاري في ضوء قلة سفر الموظفين الحكوميين والمتعاقدين. وعلى الجمهور الأمريكي، يبدو التأثير على السفر الجوي واضحًا أيضًا؛ إذ يوجد مراقبو الحركة الجوية ووكلاء إدارة أمن النقل بين العمال الاتحاديين "الأساسيين" الذين يعملون بدون أجر. وبسبب زيادة الإجازات المرضية، اضطرت بعض المطارات إلى الإغلاق مؤقتًا أو خفض رحلاتها الجوية في بعض المطارات، بما في ذلك مطار هارتسفيلد جاكسون الدولي في أتلانتا، ومطار واشنطن دوليس الدولي. في الوقت نفسه، ضرب الإغلاق صناعة السياحة في جميع أنحاء البلاد؛ حيث أغلقت المواقع التاريخية والحدائق الوطنية والمتاحف الفيدرالية بسبب وقف التمويل. وفي بعض المدن، انخفضت مبيعات المطاعم وشاحنات، الطعام وهبط معدل إشغال الفنادق. وقالت كاثي هولينجر الرئيسة والمديرة التنفيذية لرابطة مطاعم العاصمة واشنطن، في بيان: "مطاعمنا المحلية قد أبلغت عن انخفاض في المبيعات بنسبة 20% مع خسارة وصلت نسبتها إلى 60% في مبيعات بعض المطاعم". ويواجه المستثمرون في "وول ستريت" صعوبات في ممارسة عملهم؛ حيث أدّى الإغلاق الحكومي المطول إلى تعليق الإفراج عن البيانات الرئيسية، مثل البيانات المتعلقة بمبيعات التجزئة والإسكان وعجز الميزانية والتجارة الدولية، وحتى تأخير التوقعات النمو الاقتصادي للربع الرابع، الذي سيصدر في وقت لاحق من هذا الشهر. ومنذ إغلاق ربع الحكومة الفيدرالية في 22 ديسمبر الماضي، عقد البيت الأبيض وقادة الكونجرس الديمقراطيين عدة جولات من المفاوضات حول أمن الحدود وتمويل الجدار (النقطة الشائكة في الإغلاق)، لكن المفاوضات لم تسفر عن حل للمأزق المستمر بشأن الميزانية. وقال ديفيد ليبلانج أستاذ السياسة في جامعة فيرجينيا؛ إنّه لا يعتقد أن ينهار أحد الجانبين في الأيام القادمة، مضيفًا: "الاحتمال الأكبر هو أنّ مجموعة من أعضاء الحزبين بمجلس الشيوخ ستجتمع وتصوغ مشروع قانون توافقيًّا يساعد ويضر كلا الجانبين".
مشاركة :