«الشهادات المزورة».. العنب أم الناطور..؟

  • 1/19/2019
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

كشأن أي قضية في المجتمعات العربية والتجمعات الشعبية والمنصات الإعلامية فيها، يتركز اهتمام الكثير منا بالفاعل، واسمه، ومنصبه، وراتبه، وحتى تفاصيل حياته الأسرية، وربما مذهبه وديانته، من دون النظر بعين الاعتبار إلى حجم القضية وآثارها وتداعياتها، وسبل الوقاية منها، وتشديد الرقابة عليها، لضمان عدم تكرارها، وتعزيز قيم ومبادئ دولة القانون والمؤسسات. في قضية «الشهادة المزورة» للوكيل المساعد بإحدى الوزارات الخدماتية، انصب اهتمام وفضول الكثير على اسم «الوكيل المساعد»، واسم الوزارة الخدماتية، وراتبه وعلاواته، وحتى رغبة البعض في معرفته تحديدا من أجل «التشفي»، ونشر غسيل ممارساته التي (ربما) عارض فيها مصالح شخصيات وجهات. قليلون فقط من اهتم بقضية «الشهادة المزورة» بشكل موضوعي.. ثلة بسيطة من تحدث عن دور «الرقابة» في التعيينات.. نادرون جدا من طالب بمراجعة السياسات الخاصة بالشهادات العلمية.. لا أحد إطلاقا أوضح الإجراءات التي ينبغي أن يقوم بها أي شخص لديه «شهادة مزورة» ليجنب نفسه المساءلة القانونية أو التخفيف من وطأتها.. لا أحد بتاتا تحدث عن المبالغ المستحقة التي تسلمها صاحب أي شهادة مزورة كعلاوة الشهادة الجامعية والتخصصية.. لا أحد أعلن عن حجم هدر المال العام الذي حصل جراء صرف تلك المبالغ.. ربما الجميع ينتظر تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية ليكشف الحقائق العام المقبل..!! بعض المؤسسات والهيئات سارعت لإصدار التعاميم الإدارية من أجل تحديث «بيانات» الموظفين وشهاداتهم العلمية، وكأنها ترسم (فخا) مكشوفا لأصحاب «الشهادات المزورة»، تماما كما هي عاداتنا الإدارية القديمة، بأن نمارس دور «الإطفائي» بعد اشتعال الحريق، ونشدد «الرقابة» بعد وقوع المشكلة، ونعظم المحاسبة بعد خراب «مالطا».. الجميع يعمل جاهدا لقتل «الناطور» ويترك «العنب».. أصحاب «الشهادات المزورة» في هذه القضية هم مجرد «ناطور»، ولكن «القانون والعدالة والمال العام» هو «العنب» في مثل هذه القضية وغيرها من القضايا. قضية «الشهادات المزورة» كشفت قصورا جليا في مؤسسات كثيرة.. وبيّنت تراخيا إداريا بالغا في الأداء والرقابة.. وأعلنت عن «سرقة للمال العام» تم هدره من دون أي محاسبة ولا متابعة.. وكشفت عن إقصاء كفاءات وسلب لحقوق موظفين مستحقين.. كما أشارت إلى غياب مؤسف لآليات وإجراءات قانونية في الفحص والتمحيص.. وتسببت في تبوؤ أشخاصا لمناصب رفيعة نالوها من خلال طرق الغش والتدليس وحتى «المحاباة».. وأضاعت مبادئ وقيم النزاهة والأمانة، واستبدلتها بممارسات الخيانة والتزوير.. تماما كما أن قضية «الشهادات المزورة» يجب ألا يُستثنى منها العاملون في القطاع الخاص والأجانب، بدلا من التركيز فقط على العاملين في القطاع العام والموظفين البحرينيين.. فبعض الأجانب في «القطاعين: العام والخاص» يجلسون في مناصب حساسة، تتعلق بأرواح الناس وصحتهم. قضية الشهادات المزورة تشترك فيها جهات عديدة، كل بحسب مسؤولية، سواء كان الموظف الذي قبل بالشهادة العلمية المزورة وحمل اللقب العلمي الرفيع، أو الشخص المزور والمؤسسة التي قامت بتزوير تلك الشهادة، أو الجهة التي منحت «التصديق» داخل أو خارج البلاد، أو الوزارة والهيئة التي قامت بالتوظيف وصرف «العلاوة» ومنح الترقية من دون توثيق. في إحدى الدول الخليجية التي تم ضبط حالات تزوير الشهادات عند بعض المسؤولين والموظفين فيها، طالبت بإرجاع كل دينار بمعادل «دينارين» من رواتب وعلاوات أو أي مستحقات.. ودولة خليجية أحالت (40) قضية في عام واحد فقط إلى النيابة العامة، وكلها بتهمة تزوير الشهادات الدراسية.. وفي دولة أخرى أصدرت المحكمة حكما بالسجن والغرامة لحامل الشهادة المزورة.. ودولة أخرى تابعت القضية في الخارج وطالبت بتسليم من قام بعملية التزوير إلى بلادها. الغريب أن الجميع يسعى لقتل «الناطور».. ولا أحد يفكر في كيفية حماية «العنب».. ربما لأن البعض يعشق تحويل «العنب» إلى ((خمر ونبيذ))...!!

مشاركة :