دور البنوك المركزية في عصر التكنولوجيا المالية (2-2)

  • 1/21/2019
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

أصبحت التكنولوجيا المالية هاجسا كبيرا يواجه المؤسسات المالية والمصرفية في مختلف دول العالم، وعنصرا مهمًّا من عناصر البيئة التنافسية التي تواجهها، وحيث إن البنوك المركزية هي المؤسسات التي تقف على قمة النظام المالي والمصرفي، فإنها معنية بالتكنولوجيا المالية وآثارها على المؤسسات المالية والمصرفية في بلدانها قبل غيرها من المؤسسات المالية والمصرفية الأخرى، لذا فقد أبدت تفهما كبيرا للتأثيرات الواسعة لصناعة التكنولوجيا المالية على نماذج الأعمال والوظائف، ووجدت أنه لا بديل عن قرار اعتماد وتبني هذه الصناعة لرفع وتيرة الابتكار، وهو الخيار الأمثل الذي لديها في الاستعداد للمرحلة المقبلة، وقد بادر العديد منها بإصدار التشريعات الخاصة بالبيئة التنظيمية لتقديم خدمات التكنولوجيا المالية التي يمكن للشركات الجديدة اختبار حلولها، ويعد مصرف البحرين المركزي أنموذجا مميزا لاهتمام البنوك المركزية بالتكنولوجيا المالية، وهذا الاهتمام ليس وليد التطورات الإقليمية والعالمية المتسارعة في هذا الميدان، بل إنه امتداد طبيعي لمسيرة عمرها تجاوز الأربعة عقود من الزمن حينما قررت قيادة مملكة البحرين إرساء قاعدة تشريعية وبيئة جاذبة للمصارف والمؤسسات المالية تتميز بالريادة والنمو المتواصل. وانطلاقا من هذه الرؤية الديناميكية واتساقا مع الموقع الاستراتيجي لمملكة البحرين في قلب الخليج العربي جاء حرصها على تطوير قطاع الخدمات المالية والمصرفية الساندة للمصارف والمؤسسات المالية، ليصبح واحدا من أهم مراكزها الإقليمية المفعمة بالنشاط والحيوية والانضباط، من خلال الحرص على توفير متطلباتها التشريعية والمؤسساتية والبيئة التنظيمية المواتية لانطلاقتها. وأتى إشهار خليج البحرين للتكنولوجيا المالية في إطار حرص البحرين على ترسيخ مكانتها المرموقة كمركز مالي إقليمي ودولي يتميز بالديناميكية والتطور المتواصل، وعلى مواكبة أحدث تقنيات التكنولوجيا المالية العالمية، وتعميم تجارب التحول إلى الاقتصاد الرقمي وما يتبعه من تعزيز لمفهوم الشمول المالي، وإيجاد البيئة التنظيمية الداعمة للابتكار في قطاع الخدمات المالية. وقد قام مصرف البحرين المركزي بإنشاء إطار للبيئة التنظيمية الرقابية (Regulatory Sandbox) التي تسمح لشركات التكنولوجيا المالية والمؤسسات المالية التي تركز على الطابع الرقمي في جميع أنحاء العالم، باختبار وتجربة أفكارها وحلولها المصرفية في مملكة البحرين باعتبارها مركزا ماليا إقليميا وعالميا يتمتع بقدر كبير من الحرية الاقتصادية. وقد تضمن الإطار معايير ومتطلبات الحصول على الموافقة للعمل ضمن هذه البيئة الرقابية والإطار الزمني لتسجيل المشاريع ضمن البيئة الرقابية التجريبية لاختبار حلول التكنولوجيا المالية. وأطلق المصرف وحدة خاصة بالتكنولوجيا المالية، وتأتي هذه المبادرات ضمن جهود المملكة في تطوير بيئة حاضنة لصناعة التكنولوجيا المالية وتشجيعها، إضافة إلى زيادة التفاعل بين شركات التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط عبر البحرين ونظيراتها في اتحاد دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) عبر سنغافورة، ما يسهل دخول الشركات السنغافورية المتخصصة في التكنولوجيا المالية إلى المملكة. كما يخطط مصرف البحرين المركزي لإنشاء نظام للتمويل الجماعي من أجل تحقيق الازدهار والنمو في نشاط التمويل الجماعي القائم على الاقتراض والمتوافق مع الشريعة الإسلامية، بما يمكن الشركات والمؤسسات من الوصول إلى مصادر جديدة للتمويل، بالإضافة إلى احتضانه ورعايته لعديد من المؤتمرات والندوات العلمية والدورات التدريبية الخاصة بالتكنولوجيا المالية. وقيامه بإجراء تعديلات كثيرة وتشريعات جديدة ومبادرات مميزة لتطوير قطاع التكنولوجيا المالية، وجعله رديفا فاعلا للقطاعات المالية والمصرفية الأخرى في البحرين، كما حرص مصرف البحرين المركزي على متابعة المتغيرات المتسارعة في مجال التكنولوجيا المالية وتوقع ماهيتها والاستعداد لمواجهة آثارها ودعم وتحصين القطاع المالي والمصرفي ليكون قادرا على مواكبتها والإسهام في حماية وتنمية أصول المصارف والمستثمرين على حد سواء، وذلك من خلال تقديم مبادرات نوعية معززة للاستقرار المالي ومحفزة لقطاع الاستثمار ليواصل نموه الإيجابي من جانب، ومن جانب آخر احتضان شركات التكنولوجيا المالية ومعاونتها على مواجهة التحديات التي تعترض طريقها مثل ارتفاع كلفة العمل في مجال التكنولوجيا المالية، حيث إن أغلب المستثمرين يفضلّون توجيه رؤوس الأموال إلى الشركات ذات النماذج التجارية الأقل خطورة. كما قام مصرف البحرين المركزي بتشجيع قيام التحالفات بين الشركات الناشئة محليا والشركات العالمية المعروفة في هذا المجال، وكذلك تشجيع البنوك المحلية على اتخاذ مبادرات عديدة بهدف خلق النظام البيئي الملائم لنجاح وازدهار هذه الصناعة. كما وفر مصرف البحرين المركزي البيئة الملائمة لتطبيق تكنولوجيا بلوك تشين، لتكن مملكة البحرين أول دولة في المنطقة تطبق هذه التكنولوجيا، وذلك في إطار سعيها لاستنبات وتوطين التكنولوجيا المالية. كما حرص المصرف على تطوير القدرات المهنية وتأهيل الموارد البشرية البحرينية في مجال صناعة التكنولوجيا المالية، وتوفير منصات تدريبية ومهنية وتعليمية رفيعة المستوى تدعم نمو وتطوير الموارد البشرية. حفظ الله البحرين وقيادتها المجددة الريادية المبدعة وشعبها الوفي المعطاء. ‭{‬ أكاديمي وخبير اقتصادي

مشاركة :