لقد اكتسبت عبارة «الترفيه» طابعًا مخيفاً بسبب الخطاب المتشدد الذي كان يرهب الناس من أي فعل قد يشتتهم عن العبادة. حتى أصبحت بعض الأمور الصغيرة والبريئة والتي لم ينص الشرع على تحريمها أو حتى كراهتها، ممنوعة لأنها أدرجت تحت تصنيف «اللهو» المنهي عنه في القرآن. إن الأمر لم يخرج عن نطاق التنطع. أصبح الناس في تلك الفترة يعيشون حالة من الفزع بسبب مرور أو حالات الانتظار أو فترات الإجازة. كان الخطاب المتطرف الديني يحاول أن يجعل الناس في حالة تنسك دائمة، وهذا ما لا يمت برسالته الأنبياء ولا بإرادة الله. لقد انقضت تلك الحقبة المظلمة، عرف الناس أن قضاء الوقت في ممارسة هواية ما، ليس لهوًا. أن تعلم مهارة جديدة، أو قضاء وقت هادئ للتأمل وحسب، أن الاستماع لمقطوعة موسيقية، رسم لوحة، أو السباق والمشي وأمور أخرى كثيرة. عرف الناس أنها ليست محرمة، وأن الدين لا يريدنا محصورين في ممارسات محددة باعتبارها عبادات. إن الترويح عن النفس من أجل تأدية أعمالنا ومسؤولياتنا عبادة بحد ذاتها. السعوديون من أكثر شعوب الأرض حبًا في الصلاح والاستقامة. وبسبب وجود الحرمين الشريفين، ولأن أرضنا أرض الرسالة، فإننا نحب المحافظة على تعاليم الله. لهذا، استقبل السعوديون فكرة الترفيه المتمثلة بهيئة الترفيه بانقسام واضح، البعض رأى الأمر خطوة نحو الانفتاح للحياة والخروج من نفق التشدد الخانق، الشق الآخر بقي على فكرته القديمة بأن الترفيه نوع من اللهو المحرم. ولكن بين هؤلاء وهؤلاء يبقى هناك اتفاق مؤكد على عدم الرغبة في مخالفة تعاليم الله أو ضرب عادات المجتمع. وهذا ما يريده السعوديون من هيئة الترفيه. إنهم لا يريدون التخلص من الرؤية الدينية المتطرفة للترفيه، والتورط في رؤية أخرى متطرفة ولكنها مادية. الخروج من الصرامة القاتلة والدخول للتفاهة القاتلة أيضًا. السعوديون يحبون الموسيقى لكنهم لا يفضلون الإسفاف وأغاني السوق الرديئة، إنهم يفضلون محمد عبده وخالد عبدالرحمن وماجدة الرومي على شعبولا وتامر حسني. لا نريد أن ندني من الذوق العام. إن الدول التي تبنت مدرسة الفن لأجل الفن قضت على شعوبها. لكن الدول التي تبنت الفن الذي يرتقي بشعوبها ذوقيًا وفكرياً وأخلاقيًا هي الشعوب المثقفة التي أثرت المكتبة الإنسانية بأنواع خالدة من الفنون. لا نريد أن نقتدي بالدول التي هبط الفن بها وأصبح مجرد تهويش وقفز واستعراض رخيص. علينا أن نرتقي بطموحنا، لنرتقي بالتالي بشعوبنا. لا نريد مسابقات يعذب فيها الحيوان، لكننا نريد مسابقات تغذي الإنسانية والرقي والسمو.. ومن ثم ترتفع معدلات السعادة والاستقرار. هذه ما يريده السعوديون من هيئة الترفيه. نقلا عن “الجزيرة”
مشاركة :