علاء الدين محمود لا يُعدّ المسرح هو أبو الفنون فقط لمقدرته الهائلة على الجمع بين عناصر فنية متعددة، أو حتى لإمكانياته في استيعاب التقنيات الجديدة، مثل التي عند السينما، بل أيضاً وبشكل أساسي لأنه ظل سريع الاستجابة للمتغيرات السياسية والاجتماعية ولقضايا الواقع والحياة، فالكثير من المدارس الفكرية والفنية المسرحية، قد نشأت من أجل الإحاطة بالقضايا التي يفرزها الواقع، خاصة عند المنعطفات الكبرى، فالمعروف أن «مسرح العبث»، على سبيل المثال، قد نشأ كنتاج للظروف الناشئة عقب الحرب العالمية الثانية، حيث انهارت القيم المادية والروحية، ونشأ نوع من الهلع، والتفسخ، والشعور بالخوف على مستقبل الإنسانية، وكان لذلك تأثيره على البشرية التي لجأت إلى الحياة الفردية والانعزالية، حيث أصاب نوع من الشلل العلاقات الإنسانية، وغابت الروح الجماعية، وقد عبّر مسرح «العبث»، عن تلك المرحلة بشكل متميز، حيث نجح في تناول وعكس ذلك الواقع المؤلم الذي عاشته أوروبا سياسياً واجتماعياً، رغم التطور المادي الكبير. ولعل الواقع التاريخي الذي هيأ لظهور مسرح العبث، هو شبيه في مشهديته بما يجري اليوم في أعقاب نهاية الحرب الباردة، وظهور ما يعرف بالنظام العالمي الجديد، وسيادة ثقافة الاستهلاك، فقد كانت القيمة الأساسية لمسرح العبث، أنه قد مثل اتجاهاً فكرياً جابه خشونة وجفاف العالم البرجوازي، ودعا للتخلص من سيادة الآلة، وثقافة التسليع، في سياق إعادة الاعتبار للإنسان وانتشاله من حالة الاغتراب التي يعيشها، وذلك هو وجه الشبه بين تلك الظروف التي نشأ فيها العبث، وما يسود العالم اليوم من انعزال وفردانية ناتجة بالفعل من سيادة قيم الاستهلاك، ويبدو جلياً أن التطور في وسائل العيش والحياة، منذ نهاية الحرب الباردة والدخول في عصر جديد له طابعه المحدد، قد خلق حاجة إلى أفكار ووسائل جديدة في المسرح، لذلك نشهد أنماطاً مبتكرة في العرض والتعامل مع النص المكتوب، وهو نتاج ذلك التجريب الذي يبتغي أن يضرب عرض الحائط بكل القواعد القديمة، من أجل إنتاج أفكار جديدة، فالتجريب يمثل لدى المسرحيين حركة وعي، واستيعاب خلاق للحياة ووقائعها المتغيرة. ولعلنا نلاحظ ذلك التأثر الكبير في الاتجاهات الجديدة للمسرح، بالفكر والمفاهيم التي أنتجها واستند إليها «العبث»، وهذا يدل على أن المفاهيم الجديدة التي يتحرك فيها وعبرها الكتاب المسرحيون، تستمد في كثير من تفاصيلها من تجربة مسرح العبث، خاصة أن العالم اليوم في حالة من الانتظار غير المفهوم، أشبه بتلك الحالة التي رصدها صمويل بيكيت في مسرحيته «في انتظار جودو»، فقد صارت معظم العروض والكتابات المسرحية، تعبّر عن تلك الحالات: الانتظار، الوحدة، العزلة، وغيرها من قيم أفرزها واقعنا المعاصر. alaamhud33@gmail.com
مشاركة :