شهدت الساحة اليمنية مؤخرًا عدّة تطوّرات مهمّة على الصعيد الداخلي، تنذر بمستقبل تطوّقه الأزمات، وكان إقصاء الرئيس هادي، الرئيس الشرعي لليمن، وحلّ البرلمان، وتشكيل مجلس وطني، من أبرز تلك التطوّرات التي صاغها الحوثيون، وخطّطوا لها منذ زمن بعيد. إن من أخطر ما يمرُّ به اليمن في هذه المرحلة بعد المشروع الانقلابي، هو انتقاله من نظام اتّسم بقواعد وآليات حاكمة، ومستمد للشرعية الدولية، إلى نظام آخر لم تكتمل بعد أبعاده وقواعده الحاكمة، ومرفوض من جانب الشعب اليمني الذي خرج في مظاهرات احتجاج شملت معظم المدن اليمنية، علاوة على ما أعلنته الأحزاب والقوى السياسية اليمنية من رفض لما سُمّي بالإعلان الدستوري الذي أعلنته اللجان الثورية التابعة لجماعة الحوثي، والتي لا يملك أعضاؤها ما يؤهلهم لقيادة اليمن، لا سياسيًّا ولا عسكريًّا. كل الدلائل، وكذا المؤشرات، تنبئ بفشل هذا الانقلاب، لعل في مقدمتها تخلّي حزب المؤتمر الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح -الداعم المؤثر- عن جماعة الحوثي بعد إصدارهم لدستورهم الجديد، معتبرًا أن هذا التصرّف يُعدُّ انقلابًا على الشرعية. وفي الشأن الدولي فإن مجلس الأمن قد هدد بفرض عقوبات في حال لم تستأنف المحادثات فورًا، وتُحترم الاتفاقيات الموقّعة من أجل تسوية الأزمة، كالمبادرة الخليجية، ومخرّجات الحوار الوطني، هذا بخلاف اللهجة الشديدة التي أطلقها أمين عام الأمم المتحدة (بان كي مون) ضد الحوثيين، طالبًا منهم ضرورة إعادة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي المحاصر في قصره، والموضوع تحت الإقامة الجبرية. ما جرى في اليمن من انقلاب لابد أن يدعو جيران اليمن لأخذ الحيطة والحذر، لاسيما وأن المتنفذين لا يحملون صفة الشرعية لقيادة هذه البلاد، ولا يتعدّى كونهم قادة مليشيات ينفذون أجندات خارجية، وعليه جاء رفض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي للانقلاب على الشرعية؛ لتعارضه مع القرارات الدولية، وتنافيه مع ما نصَّت عليه المبادرة الخليجية، وتناقضه أيضًا مع نهج التعدّدية، والتعايش الذي عُرف به المجتمع اليمني. لا شكّ بأنّ هذا الانقلاب، وهذا التعنّت التي تبديه جماعة الحوثي، سيؤثّر حتمًا على المسار الاندماجيّ والوحدويّ الذي هي عليه اليمن -جنوبه وشماله- قبل سيطرة الحوثيين عليه، ويقودها إلى مسار تفتيتي سبق لقوى تطالب به، وتسعى إلى تحقيقه. فهل يستجيب الحوثي لنداء العقل، ويحترم الاتفاقيات التي وقّعها، ويضع نُصب عينيه استحالة تفرّده بالحكم، وينقذ اليمن من حرب أهلية؟ أم يزيد من التفاف الحبل حول عنقه؟!. hnalharby@gmail.com
مشاركة :