الترفيه أكثر من مجرد نشاط للتسلية أو لتمضية الوقت، فقد أثبتت الدراسات الواحدة تلو الأخرى، ولا سيما الميداني منها أن للترفيه تأثيرا يمتد مدى الحياة، وأن هوايات وأنشطة وقدرات، وحتى مهارات يكتسبها الإنسان في سنوات طفولته تسهم في تشكيل هواياته واهتماماته وتنمية علاقاته بمن حوله، وتوسيع نظرته إلى المجتمع، وجعلها أكثر واقعية واتزانا. واتساقا مع ذلك، فإن كلا منا ينمو، عبر مراحل حياته، جسديا واجتماعيا وإدراكا وعقلا، وينبغي أن تكون لكل مرحلة من هذه المراحل أنشطة ترفيهية ذات صلة بها، تساعد على تعزيز النمو والانتماء. وهذا بالتأكيد لا يلغي التفاوت في القدرات الفردية والاجتماعية - الاقتصادية، لكن النقطة هنا أن الترفيه هو - أو ينبغي له أن يكون - رفيق عمر، فليس للترويح عن النفس ارتباط بالطفولة أو انسلاخ عن وقار الشيخوخة. وطلبا للتحديد، فمثلا يقرر علماء الاجتماع أن لكل مرحلة عمرية متطلباتها وأنماطها للترويح والترفيه. وسآخذ واحدة لبيان القصد؛ ففي الطفولة هنا أنماط من اللعب تتابع مع نمو الطفل: اللعب المنفرد، ثم اللعب المتوازي - أي يلعبون منفردين وإن كانوا جماعة، ثم اللعب التشاركي، يلعبون في جماعة تشاركيا وليس تنافسيا، ثم اللعب التعاوني - أي فريق واحد للعبة واحدة، وبعد ذلك الدخول في الأنماط التي تميل إلى تقنين التنافس. وقد ثبت أن انخراط الطفل مبكرا في أنشطة الترفيه ينميه جسديا ويطوره من حيث الحركة ومعرفته أكثر بقدراته، ويطوره اجتماعيا للتعامل مع الآخرين، باستخدام اللغة واكتساب مهارات أن يكون فردا في منظومة، وأولويات مهارات التفاوض "حتى لا يكون سلاحه الوحيد للتفاوض هو الزعيق والبكاء!"، أما إدراكيا فالانخراط في الترفيه يعزز قدرة الطفل الإبداعية وحل ما يواجهه من صعوبات بما يتطلب اتخاذ قرار، والتعامل مع مواقف وتجارب جديدة، وبذلك يطور قدرته على التعلم، هو يبدأ في استغلال قدرته على التخيل لوضع خطة. ليس هذا كل شيء، فهذا فيما يخص دور الترفيه في الطفولة، ولذلك من المهم أن ندخل أطفالنا في دور الحضانة والروضة، حيث يرتكز التعليم لسنوات ما قبل المدرسة على اللعب والترفيه. وقد تبين أن ذلك يحدث فرقا في قدرات الإنسان التحصيلية ومهاراته الحياتية. إذن، فموضوع الترفيه، أوسع وأعمق من أن يكون إضاعة للوقت والانشغال بما ليس له فائدة ومردود. لكن يأتي السؤال: ما المكاسب الاقتصادية لتنشيط قطاع الترفيه، وهو قطاع لطالما بقي مغمورا ومهمشا؟ "يتبع".
مشاركة :