رياح وأوتاد: الأوهام التي كشفتها الميزانية

  • 1/28/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

لعل الوهم الأكبر الذي يعشش في أذهان الكثير من الناس، ونجحت الميزانية في نفيه، هو اعتقاد الكثيرين أن ما يصرف خارج البلاد أكثر مما يصرف في داخلها، حيث بينت الميزانية أن نسبة الرواتب والدعومات المباشرة للمواطنين تشكل أكثر من ثلاثة أرباع الميزانية، وذلك غير كلفة الرعاية الصحية والسكنية والتعليم والأمن. كثيرة هي الآمال التي خابت أو على الأصح الأوهام التي كشفتها ميزانية 19/ 20 التي تم إعلانها الأسبوع الماضي. في البداية يجب الإقرار أنه لا يجوز أن نلوم الميزانية أو القائمين عليها لأنها عبارة عن ترجمة دقيقة لأوضاع البلاد القانونية والاجتماعية والوظيفة والاقتصادية والمالية التي كان على الحكومة والمجلس تصحيحها بوضع الخطوط والسياسات والبرامج والرقابة على جودة أدائها، والتأكد أنها ستخدم المصلحة العليا للبلاد، ولكن تكفي نظرة سريعة إلى الميزانية لنكتشف فشل كثير من الخطط والسياسات والإجراءات المعلنة، وأهمها وهم الإصلاح الاقتصادي والمالي. فقد كشفت الميزانية سقوط وهم أهم أهداف الخطة الخمسية، وهو أن يقوم القطاع الخاص بالدور الأكبر في الإدارة وتقديم الخدمات والتوظيف والتدريب، حيث اتضح من الميزانية أن الحكومة مازالت تتحمل هذا الدور برمته، وأن أكبر زيادة في الميزانية هي زيادة الرواتب. كما كشفت الميزانية تواضع زيادة الدخل غير النفطي، هذه الزيادة التي يبدو أنها تحققت نتيجة إصدار المجلس السابق قانونا لزيادة أسعار الكهرباء والماء على القطاعين التجاري والاستثماري، ولكن هذا القانون يواجه الآن طلباً في المجلس الحالي لاستعجال إلغائه، ويحظى هذا الطلب بشعبية كبيرة بين النواب للأسف، وبالتالي ستتراجع الإيرادات غير النفطية من جديد. كما كشفت الميزانية أن المجلس الحالي لم يصدر أي قانون يجلب إيراداً مالياً جديداً للبلاد، وعلى العكس يناقش المجلس حالياً عدة قوانين ترتب مصروفات جديدة كبيرة قد تنضم للمصروفات في الميزانية الجديدة عند أو بعد إقرارها. قوانين الشراكة والخصخصة والتنافسية ليس لها أي انعكاس في الميزانية التي تحمل أرقامها زيادة كبيرة في الإنفاق على الإنشاءات والمشروعات الحكومية، ولكن دون ربط هذا الإنفاق بتعيين الشباب القادمين إلى سوق العمل مما سيعمق الاختلالات الوظيفية. ولعل الوهم الأكبر الذي يعشش في أذهان الكثير من الناس، ونجحت الميزانية في نفيه، هو اعتقاد الكثيرين أن ما يصرف خارج البلاد أكثر مما يصرف في داخلها، حيث بينت الميزانية أن نسبة الرواتب والدعومات المباشرة للمواطنين تشكل أكثر من ثلاثة أرباع الميزانية، وذلك غير كلفة الرعاية الصحية والسكنية والتعليم والأمن التي يصل معها الإنفاق الجاري داخل البلاد إلى أكثر من 90% من الميزانية. إن تحقيق الأحلام والآمال الكبيرة يحتاج إلى إرادة جادة وعزيمة قوية، وإلا تحولت إلى أوهام تكشفها أرقام الميزانية.

مشاركة :