هل يا ترى يستوي القتل دفاعاً عن النفس بالقتل عمداً أو خطأً؟ بالطبع «لا»، ولن يتردد أي قاضٍ في أي محكمة في العالم من إدانة القاتل عمداً. لننتقل لمستوى آخر من المعالجة؛ فهل خطأ الشاب أو الشابة كخطأ الطفل أو الطفلة؟ بالطبع «لا»، فالأخيران ما زالا في سن البراءة التي لا تستطيع إزاءها إلا الوقوف مكتوف اليدين حيال ما يصنعان، حتى لو كان كارثة كبرى. المقاييس نفسها تنطبق على التعامل مع الطبيب عندما يعمل ما يخالف مهنته أو القاضي عندما يناقض مفهوم العدالة أو المعلم عندما يميز بين تلاميذه. المقدمة إياها توطئة لمقالة اليوم عن مركز الحوار الوطني وأمثاله من المؤسسات التي يتوقع من أعضاء مجلس أمنائه أن يكونوا أنموذجاً يحتذى به مقياساً لأهداف المراكز التي يعملون بها. مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وعلى موقعه الإلكتروني يذكر أن رسالته هي: «تعزيز الوحدة الوطنية وحماية النسيج المجتمعي من خلال ترسيخ قيم التنوع والتعايش والتلاحم الوطني»، وفي الموقع نفسه ذكر أن أهدافه هي «ترسيخ ثقافة الحوار ونشرها بين أفراد المجتمع بجميع فئاته بما يحقق المصلحة العامة ويحافظ على الوحدة الوطنية وذلك من خلال عدد من الأهداف، ومناقشة القضايا الوطنيَّة الاجتماعيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والتربويَّة وغيرها، وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته، وتشجيع أفراد المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني على الإسهام والمشاركة في الحوار الوطني، والإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطيَّة والاعتدال، والإسهام في توفير البيئة الملائمة لإشاعة ثقافة الحوار داخل المجتمع، ووضع رؤى استراتيجيَّة لموضوعات الحوار الوطني». إذن، الأهداف جميلة ورائعة، ولا يرقى لديّ أدنى ذرة من الشك في مقاصد المركز النبيلة، السؤال هنا: هل يلتزم أعضاؤه بهذه الأهداف؟ لسنا في مجال التنقيب عما لا نعرفه أو التصديق بكل ما نسمعه، وإنما نناقش ما يقوله الأعضاء بأنفسهم من حين لآخر خارج قبة المركز، فهناك مقالة مع أحد الأعضاء عززها بتغريدة تعكس -في ما أراه شخصياً ومن خلال رد فعل كثيرين- انطباعاً سيئاً عنه، وخوفاً من أن تكون أهداف المركز «حبراً على ورق» لا أقل ولا أكثر. كتب العضو في مقالة له: «سألني لماذا أغلب الداعيات إلى حقوق المرأة كبيرات في السن؟ قلت لأن الصغيرات مشغولات بالحياة، والجميلات منهمكات بجمالهن، أما كبيرات السن فلا شغل ولا عمل لهن إلا قضية الحقوق». إجابة العضو عن السؤال المزعوم فيها إساءة وتحامل وتناقض، فالتقدم في السن لا يعيب المرأة، فضلاً عن أن الحقوق يدافع عنها الكبير والصغير رجالاً كانوا أم نساءً، ولا أعرف لماذا زرع كلمة «جميلات»! فالسائل لم يتحدث عن الشكل، لكنه -أي العضو- يحاول أن يوهم قرّاءه بأن الداعيات عادة لسن بجميلات، وفي الأخير يصل إلى معادلته النسبية التي تقول إن الكبيرات في السن لا عمل لهن إلا قضية الحقوق. من دون ذكر أسماء فهناك ناشطات في حقوق المرأة يعملن في كل القطاعات الحكومية أو الخاصة. الخلاصة: «مركز الحوار» لا يتعامل مع النساء بتلك الطريقة المهينة والمسيئة لها، فالجمال أو عدمه مسألة نسبية وطرحها بالأسلوب إياه أسلوب لا يليق ويعزز من التمييز بين الرجل والمرأة، وتشكل ضغطاً على النساء بأن أهميتهن فقط بالمظهر.
مشاركة :