الرباط: «الشرق الأوسط» قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن المغرب بادر إلى تبني إصلاحات جوهرية، في مقدمتها دسترة الجهوية المتقدمة (الحكم اللامركزي)، التي تهدف إلى إقرار تنظيم ترابي متكامل يؤسس لمرحلة جديدة في مسار تقوية الديمقراطية المحلية، وترسيخ مكانة الجماعات الترابية (البلديات) كشريك أساسي بجانب الدولة والقطاع الخاص، في تدبير قضايا التنمية. وأضاف الملك محمد السادس، في رسالة موجهة إلى المشاركين في المؤتمر الرابع لمنظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الذي افتتحت أشغاله أمس بالرباط، أن المغرب قدم، في نفس السياق، مبادرة مقدامة لتخويل الأقاليم الجنوبية للمملكة (الصحراء) حكما ذاتيا «يتيح لسكان المنطقة التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية، في إطار وحدة المملكة وسيادتها على كامل أراضيها، ويراعي خصوصياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وأصالتهم الثقافية، باعتبارها من روافد الهوية المغربية الموحدة، الغنية بتعدد مكوناتها». وأضاف العاهل المغربي أن بلاده، من منطلق إيمانه بضرورة اعتماد روح التوافق والواقعية في حل الخلافات الجهوية، قامت بجهود جبارة لبلورة هذه المبادرة الطموحة، وفق مقاربة تشاركية واسعة، منفتحة على جميع الفعاليات الوطنية، وخاصة سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهي الجهود التي ما فتئ مجلس الأمن يؤكد على جديتها ومصداقيتها. وخاطب الملك محمد السادس المشاركين في المؤتمر قائلا: «أنتم معشر المنتخبين، تعلمون أكثر من غيركم، بأن الحكم الذاتي يعد جوابا عصريا وفعالا، على تطلعات ساكنة المنطقة لتحقيق المصالحة، والنهوض بالتنمية، والعيش في إطار الحرية والكرامة، وفي ظل الأمن والاستقرار». وأوضح العاهل المغربي أن انخراط بلاده المستمر في مسلسل نظام اللامركزية الترابية يتجلى في التوسيع التدريجي لمجال اختصاصات وتدخلات الجماعات الترابية (البلديات) لتنهض بأدوارها التنموية على الوجه الأفضل، مشيرا إلى أنه، وتفعيلا لمبدأ التدبير الديمقراطي للجهات والجماعات الترابية الأخرى، المنصوص عليه في الدستور الجديد للمملكة، فقد جرى الانتقال من الوصاية الإدارية التقليدية على أعمال هذه الجماعات، إلى تعزيز نظام الرقابة البعدية للقضاء الإداري والمالي عليها، مما من شأنه أن يتيح لها هامشا أكبر لاتخاذ قراراتها، في إطار من الاستقلالية المسؤولة، ووفق قواعد وضوابط دولة الحق والقانون. وأكد أن المغرب حرص، من منطلق توطيد المكتسبات الديمقراطية، على إدماج مقاربة النوع في السياسات العمومية، لتمكين المرأة المغربية من تعزيز مساهمتها، وتدعيم دورها كفاعل لا محيد عنه في مختلف المجالات. كما جرى فتح آفاق المشاركة السياسية الواسعة أمام الشباب، للإسهام بمؤهلاته في تدبير الشأن العام. وذكر الملك محمد السادس أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقها المغرب في مايو (أيار) 2005. شكلت ورشا نموذجية في مجال السياسات العمومية، يهدف إلى التصدي للاختلالات التي تعرفها المناطق والأحياء، التي تعاني الفقر والهشاشة، من خلال العمل على تحقيق تنمية منسجمة ومستدامة، تجعل من الإنسان محور الأولويات الوطنية، وجوهر الرهانات الديمقراطية والتنموية. من جهة أخرى، نوه العاهل المغربي بالمكانة المتميزة، التي تحظى بها منظمة المدن والحكومات المحلية على الصعيد الدولي، بفضل جهود المشرفين عليها، إذ أصبحت فضاء متميزا لتبادل الآراء والخبرات، من أجل النهوض باللامركزية الترابية، وإشاعة قيم الديمقراطية والتضامن والحوار والتعايش والتسامح. وأضاف الملك محمد السادس أن انعقاد هذا الملتقى بالمغرب يعد حافزا قويا للسلطات المحلية المنتخبة بالمملكة، للاستفادة من التجارب المتميزة للدول الرائدة في مجال اللامركزية الترابية والديمقراطية المحلية، والاستئناس بالمقاربات والاستراتيجيات الكفيلة بدعم وتعزيز منظومة الحكامة الترابية، بما يتلاءم وخصوصياتها المحلية. ويتضمن برنامج هذا المؤتمر، الذي أشرفت على تنظيمه، جمعية «الرباط 2013» واختير له شعار «تصور المجتمع، بناء الديمقراطية»، ندوات وموائد مستديرة وورشات تناقش مجموعة من الإشكالات التي تواجه الحكومات المحلية. ويشارك في المؤتمر الذي يختتم غدا ما يفوق ثلاثة آلاف ضيف من بينهم رؤساء بعض الدول وممثلو هيئة الأمم المتحدة ووزراء الداخلية أو البلديات وبعض رجال الفكر العالميين الحائزين على جائزة نوبل للسلام، وكذا كبار عمداء العواصم والمدن والسلطات المحلية في العالم والخبراء والمهتمين ورجال الأعمال والإعلاميين. وسيناقش المؤتمر خمسة محاور رئيسية هي، تحسين جودة الحياة، وتدبير التنوع، ومواكبة الحكامة الجديدة والتغيرات بحوض المتوسط، وتقوية التضامن بين الوحدات المجالية، والتحكم في مستقبل التعمير. وبالموازاة، مع أشغال المؤتمر، سينظم معرض «الرباط إيكسبو» على مساحة سبعة هكتارات، يضم أجنحة خاصة بالمقاولات المختصة في مجال تدبير المهن البلدية، وجناح خاص بالشبكات العالمية لحركة المدن والمؤسسات المالية الداعمة للجماعات، بالإضافة إلى جناح مغربي خاص بمختلف مناطق المغرب.
مشاركة :