ملك زمان وفقير هذا الزمانقصور الملوك تبنى لأغراض مختلفة فلا بدّ أن تكون غرفها واسعة ومترفة. الترف قبل قرون كان ذا معنى مختلف.البريطانيون يفضلون العيش في المساحات الضيقةقرأت مرة مقارنة بين مواطن بريطاني يعيش في سكن شعبي ويأخذ مصاريفه من المعونة الاجتماعية في هذا العصر، وملك (أو ملكة) بريطانيا قبل 300 عام. كان الكاتب يقارن بموضوعية بين ظروف كل منهما وكيف يتقبّل تفاصيل الحياة اليومية ومدى سعادته بعيشته.السكن الشعبي في بريطانيا صغير المساحة عموما. البريطانيون ليسوا معروفين بأنهم شعب يعيش في مساحات واسعة وحتى أرقى المنازل التي تجدها في لندن مثلا مبنية بغرف بأبعاد محدودة. ربما هو البرد والحاجة إلى الدفء حتى في زمن تكنولوجيا التدفئة الفعالة. يلخص البريطاني علاقته بالغرفة بأنها دافئة وحميمية. لا يوجد الكثير من مظاهر الترف في المنازل، بل إن المبالغة في إظهار الترف تقابل بالاستهجان.قصور الملوك تبنى لأغراض مختلفة فلا بدّ أن تكون غرفها واسعة ومترفة. الترف قبل قرون كان ذا معنى مختلف. ربما موقد للتدفئة في ركن من أركان القاعة، وقليل من الأثاث الخشبي. بيت العامة سيكون بلا تدفئة، وربما بلا أثاث يمكن أن يسمى أثاثا.لا أعرف كم مرة يستحم الملك في الأسبوع (أو ربما في الشهر) أيام زمان، لكن البريطاني يستحم يوميا الآن وبمياه ساخنة. قصر الملك مظلم في الليل بشموع قليلة في الممرات. شقة الفقير اليوم مضاءة بمصابيح “أل.إي.دي” متوهجة.ماذا عن الطعام؟ الملك كان يأكل لحما مشويا وخبزا وبطاطا، وينتظر المواسم بصبر لكي ينال نصيبه من الفاكهة. محدود الدخل اليوم يأكل المئات من الأصناف واللحوم والخضروات والفواكه التي لا تعرف موسما.ملك زمان حقل تجارب في أيدي الأطباء من أشباه الأميين. فقيرنا يتمتع بالرعاية الصحية الكاملة ولديه فحوص دورية ترصد له نسبة الكوليسترول والسكر في الدم، وتتابع ضغطه وتتأكد من سلامة مفاصله. ملوك العصور الماضية يصبحون أسرى قصر النظر مبكرا. النظارة اليوم حق مكتسب. ملك بريطانيا قبل 300 عام أو أكثر كان يعيش للأربعينات أو الخمسينات من عمره. معدل الأعمار في بريطانيا الآن هو 82 سنة.ماذا عن الترفيه؟ هل تتخيل مدى الملل الذي كان الملك يعيشه وهو يرى نفس المهرج يحاول أن يبهجه يوميا، أو فرقة متغافية تعزف له لحنا كئيبا؟ أي بيت اليوم لديه تلفزيون بشاشة 42 بوصة أو أكبر، ويشاهد الفقير والثري من خلالها العالم، وكمّا لا ينتهي من البرامج والأفلام والمسلسلات والأغاني.لن أزيد بالمقارنات. فالمشكلة تكمن في أن الأمور نسبية. الملك كان يحس أنه يملك الدنيا. أما محدود الدخل اليوم فيحس أن العالم يضطهده.كاتب من العراق مقيم في لندن
مشاركة :