سلمان الخير.. حبيب البشر والحجر

  • 2/15/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يذكره البشر والحجر في كل مكان من المعمورة، ففي كل شبر منها له بصمة وحضور مميز، آوى من خلالها مشردًا محرومًا، أو بنى حيطانًا أربعًا يلتحف بها الهارب من حر الصيف وبرد الشتاء، إنه سلمان بن عبدالعزيز المسكون بعشق العمل الخيري من الوريد إلى الوريد، رجل بهمته وعلو قامته، لا يمكن إلا أن تجده مناصرًا للإنسان في كل مكان، بعيدًا عن اللون والجنس والدين، لم يتوقف نشاطه الخيري على الداخل فقط، بل راح مدفوعًا بجينات حب الخير المبكرة ليرأس العديد من الجمعيات والهيئات التي كان لها نشاط في الخارج منذ أن كان شابًا يافعًا، ومنها لجنة التبرع لمنكوبي السويس عام 1956، واللجنة الرئيسة لجمع التبرعات للجزائر في نفس العام، فضلًا عن اللجنة الشعبية لمساعدة أسر شهداء الأردن في 1967، واللجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني، ولجنة إغاثة منكوبي باكستان في عام 1973، واللجنة الشعبية لدعم المجهود الحربي في مصر عام 1973، فضلًا عن عشرات اللجان في دول أخرى مثل سوريا وأفغانستان والسودان وبنجلاديش والبوسنة والهرسك ومتضرري الزلازل في مصر والانتفاضة الفلسطينية، وفي الداخل، حظي العمل الخيري والإنساني بأولوية مطلقة لدى الملك سنوات، فهو رئيس مجلس إدارة مؤسسة الرياض الخيرية للعلوم، والتي يتبعها كل من جامعة الأمير سلطان الأهلية وواحة الملك سلمان للعلوم، كما يعد رئيس جائزة الملك سلمان لتحفيظ القرآن الكريم للبنين والبنات على مستوى المملكة، ورئيس مركز سلمان لأبحاث الإعاقة، ولم يتوقف العمل الخيري لديه عند هذا الحد بل ساهم في الأنشطة العلاجية عبر رئاسته الفخرية لجمعية الأمير فهد بن سلمان لمرضى الفشل الكلوي والمركز السعودي لزراعة الأعضاء ومركز الملك سلمان لأمراض الكلى وغيرها من المراكز العلاجية. أوسمة ودروع وتتويجًا لهذه الجهود الإنسانية والخيرية، نال سلمان الخير العديد من الأوسمة والدروع التكريمية، من بينها وسام البوسنة والهرسك، ودرع الأمم المتحدة لتقليل آثار الفقر في العالم ونجمة القدس التي تقدم فقط لمن قدم أعمالًا استثنائية تدل على التضحية والشجاعة في خدمة الشعب الفلسطيني، ووسام سكتونا من الفلبيين وجائزة البحرين للعمل الإنساني وجائزة الأولمبياد الخاص لمنطقة الشرق الأوسط وذلك لجهوده في خدمة المعاقين وتشجيع البحث العلمي في مجال الإعاقة، كما حاز الملك سلمان شهادة الدكتوراة من الجامعة الإسلامية في دلهي تقديرًا لجهوده الإنسانية الخيرية، وحصل على ميدالية كانت من أكاديمية برلين تقديرًا لإسهاماته في مجال العلوم، ومنحته الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة الدكتوراة الفخرية في تاريخ الدولة السعودية لما له من جهود وعطاءات مميزة في الحفاظ على التاريخ السعودي المجيد ورصد فعالياته المختلفة في شتى المجالات، وفضلًا عن ذلك تسلم جائزة الإنجاز مدى الحياة في مجال التراث العمراني التي تقدمها مؤسسة التراث الخيرية. وفي إطار رعاية المليك لمختلف المجالات دعم العديد من الجوائز لشباب الأعمال وأبحاث الإعاقة والإدارة المحلية وتحفيظ القرآن الكريم ورواد الأعمال، يقول المهندس عبدالعزيز حنفي رئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم «نظرًا للجهود المبذولة من قبل الملك سلمان، في خدمة القرآن الكريم والعناية بأهله، منحت جائزة رجل العام له، وقد كانت أياديه البيضاء واضحة في هذا المجال وفي كل المجالات الخيرية التي تخدم الإسلام والمسلمين»، والحقيقة أن الملك سلمان لم يتوقف في دعمه للعمل الخيري والإنساني عند الحدود التقليدية له، وإنما نقله إلى آفاق تتواءم مع متطلبات الحياة العصرية وتعقيداتها. يقول الأمين العام لإدارة أوقاف صالح الراجحي، إن الملك سلمان يعد رمزًا من رموز العمل الخيري السعودي في الداخل والخارج، وممارسًا له حتى قبل إنشاء وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث أنشأ جمعية البر في الرياض في 1374 هـ، ورأس العديد من الجمعيات الخيرية في المملكة، وصرنا نحن العاملين في العمل الخيري نستلهم نظرته وآراءه ومواقفه في كثير من أعمالنا. وتمثل العلاقة بين الملك سلمان وجمعية الأطفال المعوقين نموذجًا لما توليه الدولة من اهتمام وتقدير للعمل الخيري، حيث كانت البداية بتوجيهه لانطلاق الجمعية من أروقة جمعية البر في الرياض، إلى جانب تقديم الدعم المالي لها، وكانت الخطوة التالية إنشاء مركز متخصص لتقديم الخدمات المجانية للأطفال المعوقين في عام 1407 هـ، كما تبنى الملك سلمان إقامة مركزه لأبحاث الإعاقة الذي يعنى بإثراء البحث العلمي في المجال وتعزيز سبل الوقاية من الإعاقة، وللأيتام نصيب وافر من الاهتمام لدى الملك سلمان، حيث قال في المؤتمر السعودى الأول لرعاية الأيتام «إن إقامة مثل هذه المؤتمرات دليل واضح على ما ننعم به في بلادنا من تكاتف وتعاضد وتعاون على طاعة الله»، والملك سلمان حريص دائمًا على استمرارية العمل الخيري وتشجيع رجال الأعمال على تقديم كل دعم ممكن له، وفي هذا الإطار قال لدى رعايته حفل تكريم الفائزين بجائزة الملك خالد الخيرية «إن قادة هذه البلاد حريصون على الخير والتشجيع عليه، وما نراه من مؤسسات خيرية في كافة المجالات يعكس حرص قادتها على الخير والتشجيع عليه يعد أحد الجوانب المشرقة في بلادنا»، ويرى الملك سلمان أن عمل الخير المتعدي نفعه إلى الناس، خير من العمل القاصر الذي لا يتعدى صاحبه. تنوع الأعمال الخيرية وتتنوع أعمال خادم الحرمين الخيرية لتشمل بجانب بناء المساجد ورعاية الأيتام، بناء المساكن للفقراء والمحتاجين ودعم حلقات تحفيظ القرآن، كما أن له اهتمامًا شخصيًا بمرضى الفشل الكلوى، وتسعد نفسه عندما يأتيه أحد عارضًا عليه دعم العمل الخيري، ويذهب إلى أبعد من ذلك بشكره ودعمه أيضًا، ولا يكتفي الملك سلمان بالدعم أولًا بأول عن بعد، وإنما يحرص على أن يكون في أول الصفوف وفي المؤتمر العالمي السعودي لأمراض الكلى قال «نحن والحمد لله متجاوبون جميعًا مع أعمال الخير التي لها صفة الشمولية»، وقال عندما كان وزيرًا للدفاع «يسرني أن أكون رئيسًا لمجلس إدارة جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الكلى، ولا شك أن هذا العمل فيه من الخير لكل من أسهم فيه بأى مجهود أو تبرع»، أما أهالي الرياض الذين كانوا في العين والقلب معًا من الملك سلمان، فقد حرصوا على رد الجميل له قائلين عنه «إن له عينين، واحدة على النهضة والتطوير، والأخرى على الأعمال الإنسانية التي جعلت منه على مدى 50 عامًا نهرًا متدفقًا من العمل الخيري، وأطلق الأهالي جمعية الأمير سلمان للأعمال الخيرية تقديرًا لما بذله من جهد من أجل مدينة الرياض، وذلك في مبادرة تعكس عمق التلاحم بين القيادة والشعب، وتعمل هذه الجمعية على خدمة مواطنى الرياض، ولعل من أهم أنشطته الخيرية تأسيس الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام في الرياض التي نبعت فكرتها إثر هطول أمطار غزيزة على الرياض تضررت منها أسر فقيرة في مساكنها، وتنوعت أهداف المشروع من إنشاء مجمعات سكنية مهيأة لاحتضان المحتاجين ومساعدتهم في تنمية قدراتهم الذاتية للخروج من دائرة الفقر إلى أعادة تأهيلهم ذاتيًا ليصبحوا منتجين لا معتمدين فقط على المساعدات المالية، وقد ساهم هذا المشروع النوعي في الحد من الظواهر السلبية التي كانت تنشأ في أوساط الفقراء. مستقبل العمل الخيري ويتطلع الملك سلمان إلى مستقبل أفضل للعمل الخيري يقوم على مشاركة مختلف المؤسسات في دعم المشروعات الخيرية في إطار المسؤولية الاجتماعية، حيث تشير التقارير إلى أن المؤسسات التي تهتم بدعم الفقراء في المجتمع الذي يحققون أرباحهم منه يحظون بالقبول من جانب المجتمع وبالتالي تزداد مبيعاتهم وأرباحهم بصورة تلقائية، والمؤمل في المرحلة المقبلة أن تترجم وجهة نظر الملك سليمان في إطار مشروع وطني لدعم العمل الخيري في مختلف المناطق، وألا يكون الهدف من هذا المشروع هو مجرد الظهور والبحث عن الأضواء فقط، وليكن الملك سليمان نموذجًا يحتذى في هذا الإطار، فقد فضل عدم التكريم، ليقام بتكاليف الحفل مشروع لخدمة أبناء الرياض وتلك لعمري قمة الإيثار والإنسانية الحقة. كما يحسب للملك سليمان أيضًا أن اهتمامه النوعي بالمشروعات الخيرية، كان له دور في تعزيز التشريعات القانونية اللازمة لدعم العمل الخيري من الناحية التشريعية والتنظيمية، ومن بينها تنظيم التبرع بالأعضاء، وهو الأمر الذي ساهم بصورة جيدة في إنقاذ الكثيرين من خطر الموت، وفق ضوابط جرى الاتفاق عليها من أجل ألا يتحول التبرع إلى تجارة، وبما يحفظ حرمة أعضاء الإنسان من الإساءة لها على أيدي بعض ضعاف النفوس. وقد استحق الملك سلمان بحق لقب أبو الأيتام حيث تعايش مع الأيتام في بيته وفي بيوت الناس والمناسبات الخيرية التي يرعاها بصورة دائمة، وفي هذا الإطار يقول الكاتب سليمان العلي في كتابه تنمية الموارد البشرية والمالية في المنظمات الخيرية، أن العمل الخيري يحمي الفرد والمجتمع من الآفات والجرائم والانحرافات ويؤمن له كذلك الضروريات التي تحفظ كرامته وتعينه على نوائب الدهر، ومن هنا ندرك أهمية العمل الخيري في حماية المجتمع من انتقام المحرومين وتربية الأفراد على البذل والعطاء وتنمية العلاقات الأخوية التي تقوي دعائم المجتمع الإسلامي، ومن خلال الصدقات والزكوات يمكن معالجة مشكلات البطالة والفقر في المجتمعات الإسلامية، وقد وردت الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على أعمال البر المختلفة، يقول الله تعالى «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامي والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة». ومن المعروف أن الصدقة تداوي في نفس المتصدق رذائل الشح والأنانية وتعوده على البذل والعطاء، كما أن المتصدق يجد بعد إخراج صدقاته الراحة النفسية والطمأنينة والسعادة وسعة الرزق وطول العمر. لقد استلهم الملك سلمان الفوائد الكبيرة للعمل الخيري وكان بمثابة أمة في رجل في هذا المجال، الذي لم يباريه فيه أحد على مدى سنوات طويلة، وحري بنا جميعًا أن نعمل على نهجه من أجل مستقبل أفضل للعمل الخيري في المرحلة المقبلة.

مشاركة :