أقامت رابطة الأدباء الكويتيين في مسرح الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، مساء أول من أمس - ضمن موسمها الثقافي - محاضرة للدكتور أحمد بكري عصلة عنوانها «لهجتا حلب والكويت... مواقف العلماء والباحثين»، وأدارها الكاتب عبدالعزيز المشاري.قال عصلة في بحث: «كان الاتفاق مع الرابطة على أداء محاضرة خاصة بعلامة حلب المرحوم محمد خير الدين الأسدي صاحب الموسوعة النادرة (موسوعة حلب المقارنة). ولكني آثرت التنويع لإغناء الموضوع فجعلتها تشمل لهجتي الكويت وحلب ومواقف العلماء والباحثين».وفي ما يخص لهجة الكويت أوضح المحاضر أن عدداً كبيراً من الباحثين الكويتيين تناول لهجة الكويت، من خلال الكتب والدراسات، ومنهم جيل الرواد ويتمثل في أحمد السعيدان، وجلال الحنفي البغدادي، وأحمد البشر الرومي وأيوب حسين الأيوب، وأنس الشاهين وعبد العزيز مطر، وعبدالعزيز الرشيد، وسيف مرزوق الشملان...ثم تلاهم جيل من المعاصرين قدم عدداً من الدراسات والمعاجم الخاصة بهذه اللهجة، مقتدين بما قدمه جيل الرواد ومنهم غنيمة الفهد، وخالد سالم الأنصاري، وخالد الرشيد، والدكتورة ليلى السبعان، ومحمد رجب النجار، وعبد الصبور شاهين، وعبدالله آل نوري، وسلوى المغربي، وعبدالله خلف وغيرهم.وقال عصلة: «لوحظ على جل هؤلاء الباحثين - ولا سيما في المعاجم على - إيراد اللفظ كما هو من دون تجريد حروفه من الزوائد، وقدم شرح المعنى والبحث عن أصل اللفظ عربياً كان أم غير عربي... وهذا ما يسهل على القارئ أسلوب البحث عن اللفظ ومعناه».وأضاف: «يلاحظ أن ما تم جمعه من ألفاظ اللهجة قليل، إذا ما قيس بواقعها، فبعض المعاجم ضم خمسة آلاف لفظ وبعضها خمسة عشر ألفاً، وبعضها تجاوز العشرين... لكن أحداً من هؤلاء الباحثين لم يستوف الكم الأكبر من ألفاظ اللهجة، الذي يتجاوز المئة ألف على أقل تقدير... وقد اكتفى بعض الباحثين بذكر معنى اللفظ بقوله: هذا لفظ كويتي معناه كذا... أو بقوله: هذ اللفظ يشيع بين الحضر أو بين البدو... من دون أن يتعمق في البحث عن الأصل في عدد من اللغات والموازنة، التي تثري المادة العلمية على نحو ما فعل العلامة الحلبي محمد خير الدين الأسدي».وقال الباحث في ما يخص لهجة حلب: «لم تحظ لهجة حلب بعدد وفير من الباحثين - كالذي حظيت به لهجة الكويت - ولكن باحثاً واحداً عوضها عن ذلك، بما قدم من دراسات جادة استغرقت منه سنوات عمره كلها، هو العلامة محمد خير الدين الأسدي، الذي قدم دراسات نادرة منها المطبوع ومنها مالم يطبع. فمن المطبوع في مجال موضوع اللهجة الحلبية كتاب (حلب:الجانب اللغوي)1951، و(ياليل) 1957، و(موسوعة حلب المقارنة)، التي طبعت بعد وفاته بعشر سنين1981 بإشراف محمد كمال. وهي الموضوع الرئيس لهذه المحاضرة».وأضاف: «ولد الأسدي سنة 1900 في حي الجلوم الحلبي العريق وتوفي سنة 1971، وتلقى التعليم الأولي في المدرسة العثمانية، ثم غادرها وقد تجاوز العاشرة بقليل ليستكمل تعليمه على يدي والده ووالدته، وبعد سنوات نمت في نفسه غريزة العلم وعشق الأدب والقراءة، فبدأ يقرأ ويكتب إلى أن تملك الناصية، وشرع يبحث عن عمل كبير هو التفكير في توثيق لهجة مدينته حلب، وبدأ يوثقها معتمداً على ما يسمعه من شفاه الناس في الأحياء والمقاهي والحدائق، إلى أن تجمعت لديه مادة كبيرة تجاوزت المئة ألف مادة، مرتبة على حروف المعجم، بوضع الكلمة كاملة من دون تجريدها من الزوائد، ولكنه يذكر الأصل ضمن الشرح ويحيل عليه في مكانه من جديد».وكشف أن الأسدي لم يكتف بذكر المعنى المتداول للفظ، بل بحث عن أصله في اللغات القديمة الآكادية والآشورية والكلدانية... وفي اللغات المعاصرة في مختلف القارات... فإن لم يجد للفظ معنى قال: لم أجد لهذا اللفظ معنى في اللغات المعروفة...!وأوضح العصلة أن الأسدي لم يتزوج من أجل هذه الموسوعة، التي استغرقت منه أكثر من أربعين سنة من الجهد المتواصل والسفر إلى كل أصقاع الدنيا. ولقد تناوبته أمراض السكر وتخثر الدم وعانى الكثير، وفي آخر سنتين نقل إلى دار العجزة، لتنتهي حياته ويدفن على أيدي موظفي الدار في مكان مجهول لم يعثر عليه إلى اليوم!
مشاركة :