بيروت - تستعد الحكومة اللبنانية الجديدة السبت لعقد أول جلسة، وفق ما أعلن رئيس الوزراء سعد الحريري، في انتظار مهلة الثلاثين يوما لنيل ثقة البرلمان، إلا أنها تبدأ مهامها مثقلة بتركة ثقيلة من المشاكل أولها أن حزب الله الشريك المهيمن على الحكومة مصنف إرهابيا ويواجه عقوبات أميركية بسبب دوره في النزاعات الإقليمية. وتطرح هذه المعضلة سؤالا ملحا وهو كيف يمكن لحكومة سعد الحريري مواجهة هذه التحديات؟. ويتمتع حزب الله بثقل وازن على الساحة السياسية في لبنان، يستقيه من دعم إيراني كبير أتاح له التزود بقوة عسكرية ضخمة استخدمها لتقديم دعم ميداني كبير للنظام في سوريا. والجماعة الشيعية هي التنظيم الوحيد في لبنان الذي لم يسلم سلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990). ومشاركته في الحكومة لها دلالات كبيرة، فالحزب يتعرض لعقوبات مالية من الإدارة الأميركية التي تعتبره تنظيما "إرهابيا"، في حين أن التوتر بينه وبين إسرائيل يبقى شديدا، والمخاوف تبقى قائمة من تكرار حرب 2006 بين الطرفين. ويثير هذا أسئلة بالنسبة للولايات المتحدة التي تجمع سياستها حيال لبنان بين المساعدات العسكرية للجيش اللبناني ودعم الحريري مع زيادة الضغط على حزب الله من خلال العقوبات. وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إنها قلقة من استمرار شغل حزب الله لمناصب وزارية وفكرة السماح للجماعة بتعيين وزير الصحة. وأضافت الوزارة "ندعو الحكومة الجديدة إلى ضمان أن الموارد والخدمات المتاحة لتلك الوزارات لن تقدم دعما لحزب الله. نحث كل أطراف الحكومة الجديدة على احترام سياسة لبنان المتعلقة بالنأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية واحترام التزاماتها الدولية". وقال عماد سلامة أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية "الحزب بحاجة لحماية وطنية ودعم وطني". أما جريدة الأخبار القريبة من حزب الله، فكتبت غداة تشكيل الحكومة "يحتاج الرئيس سعد الحريري للحكومة لأسباب داخلية، لكن حاجة حزب الله له تكاد تكون أكبر، وسط التحديات التي تواجه الحزب ولبنان في مرحلة تكثر فيها الرسائل الأميركية التحذيرية". ونال حزب الله وزارة الصحة التي أصر على تسلمها، مع العلم أن على هذه الوزارة أن تنسق مع منظمات دولية ومانحين أجانب ويطرح هذا الأمر معضلة كبيرة بالنسبة للحكومة الوليدة، إذ كيف يمكن للمنظمات الدولية أن تنسق مع طرف لبناني مصنف ارهابيا ويخضع لعقوبات أميركية. وأمام الدول المانحة إما التعاطي مع حزب الله كشريك مهيمن في الحكومة أو مقاطعته وفي كل الحالات فإن لبنان هو من سيدفع ثمن هذه الشراكة. ويحتاج حزب الله في مأزقه الحالي إلى مظلّة وطنية تحميه من الملاحقات والعقوبات وتضع الدول الغربية الداعمة لاستقرار لبنان، أمام الأمر الواقع. وتبقى متاهة الشراكة السياسية معضلة يصعب في الوقت الراهن التكهن بطريقة خروج حكومة الحريري منها. وقد يعوّل حزب الله على الدعم المالي الإيراني، لكن في الظرف الحالي تبدو طهران عاجزة عن الاستمرار في تمويل وكلائها في المنطقة بسبب العقوبات الأميركية التي تستهدف تجفيف منابع الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ويقول سلامة "قد يكون من الصعب على الدول المانحة عدم التعاطي مع حزب الله"، معتبرا أن الحزب يسعى لكي يصبح "لاعبا مرئيا على الساحة السياسية من الصعب تجنبه". الخلل الاستراتيجي في الحكومة الجديدة يؤكد أن لحزب الله نفوذ قوي في هذه التشكيلة الوزارية الجديدة أكثر من سابقتها حتما أما المحلل السياسي كريم بيطار فاعتبر أن تمسك حزب الله بوزارة الصحة يعود "لكونها إحدى الوزارات الخدماتية الأساسية التي تتيح توزيع الخدمات وكسب ود الناخبين". ولا بد للحكومة الجديدة في لبنان التي تشكلت الخميس، من الإنكباب على وضع إصلاحات جدية تواجه الأزمة الاقتصادية في البلاد والعمل على استيعاب التوترات الناتجة عن الدور الإقليمي لحزب الله، العدو المعلن لإسرائيل والولايات المتحدة. وضمت الحكومة الجديدة 30 وزيرا بينهم أربع نساء. وتسلمت ريا حفار الحسن وزارة الداخلية، في حين تسلمت ندى بستاني خوري وزارة الطاقة. وأعطيت وزارة الدولة للتنمية الاقتصادية إلى الصحافية المشهورة مي شدياق المعارضة الشديدة لحزب الله والتي نجت من محاولة اغتيال عام 2005 أدت إلى بتر يد وساق لها. أما الوزارة الرابعة فذهبت إلى فيوليت خير الله الصفدي التي تولت وزارة الدولة لشؤون التأهيل الاقتصادي والاجتماعي للشباب والمرأة. لكن الحكومة الجديدة لا تحمل تغيرات فعلية، عدا هذه الزيادة الرمزية في التمثيل النسائي فيها. وأضاف كريم بيطار "إن توازنات القوى داخل الحكومة تبقى على حالها". ويتمتع حزب الله مع حليفه التيار الوطني الحر الذي أسسه رئيس الجمهورية ميشال عون، بأكثر من ثلث عدد الوزراء، ما يتيح لهما عرقلة أي قرار لا يرغبان به داخل الحكومة. وقد حصل حزب الله على ثلاثة وزراء، في حين حصل التيار الوطني الحر مع وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية على 11 وزيرا. ونال تيار المستقبل برئاسة الحريري خمسة مقاعد، في حين نال حزب القوات المسيحي المناهض لحزب الله أربعة وزراء. وبسبب التنوع الطائفي الدقيق تتخذ القرارات المصيرية داخل الحكومة في أغلب الأحيان بالتوافق بعد تجاذبات طويلة. واستغرق تشكيل الحكومة أكثر من ثمانية أشهر ما زاد المخاوف من حصول انهيار اقتصادي. وعلى هذه الحكومة الجديدة القيام سريعا بإصلاحات ضرورية لإنعاش اقتصاد على شفير الانهيار، عانى كثيرا من التداعيات الاقتصادية للحرب في سوريا وتدفق أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري إلى هذا البلد. وتصل نسبة الدين العام في لبنان إلى 141 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي وهي من أعلى النسب في العالم. وفي يناير/كانون الثاني خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف لبنان مشيرة إلى "المخاوف من ارتفاع كبير في الدين". وقال الحريري الخميس إن الحكومة "ستكون مجبرة على اتخاذ قرارات صعبة لخفض النفقات في الموازنة". ومن المتوقع أن تشمل الإصلاحات خفضا في النفقات العامة وإعادة تأهيل قطاع الكهرباء، وهما بندان وردا في الأولويات خلال المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان الذي انعقد في ابريل/نيسان من العام الماضي بمبادرة من فرنسا. وفي المقابل وعد المجتمع الدولي بتقديم 11 مليارا ونصف مليار دولار على شكل قروض وهبات. وقد وزعت هذه المبالغ على مشاريع معينة للبنى التحتية لا بد للحكومة من إقرارها الآن، إلا أن بعض الخبراء يشككون في القدرة على إقرار الإصلاحات اللازمة. وقال بيطار "إن هذه الطبقة السياسية غير قادرة جينيا على إقرار الإصلاحات البنيوية الضرورية، لأنها تستفيد كثيرا من النظام الحالي". وكتبت الأخبار الموالية لحزب الله في صدر صفحتها الأولى "حكومة الحريري: حاجة حزب الله وسط العاصفة". وأضافت في قصتها الرئيسية عن الحكومة أن حزب الله استفاد بشكل خاص من الحكومة التي تشكلت بقيادة الحريري. وأوضحت "الحريري بواجهته الغربية والخليجية قد يكون صمام أمان ومساعدا في احتمالات مفتوحة تتعلق بالعقوبات الأميركية المتصاعدة سواء ما يتعلق بسوريا أو إيران وجنوح إسرائيل نحو أي عملية ضد لبنان أو لبنان وسوريا معا". وقال دبلوماسي غربي كبير إن معارضي حزب الله سيراقبون عن كثب كيفية إدارة وزارة الصحة. وأضاف "الأحزاب الأخرى ستراقب عن كثب الأموال التي لدى حزب الله في الوزارة وسترفع صوتها بالاعتراض عندما يحدث شيء لأنها تعلم أن الأميركيين ينظرون في ذات الاتجاه". وقال وزير الصحة الجديد جميل جبق إن أولوياته تشمل تحسين المستشفيات الحكومية وخفض أسعار الأدوية. وأسس الحرس الثوري الإيراني جماعة حزب الله في عام 1982، وهي أقوى الجماعات اللبنانية على الإطلاق. وتنامي نفوذها في المنطقة منذ انضمامها إلى الحرب في سوريا دعما للأسد. ويتم توزيع المناصب الحكومية في لبنان وفقا لنظام طائفي معقد، يضع سقفا لما يمكن أن تسيطر عليه أي جماعة بمفردها. ومنصب رئيس الوزراء مخصص للسنة وهو منصب يشغله الحريري الآن للمرة الثالثة نظرا لوضعه كأكبر زعيم سني. لكن هيمنة الحريري على السنة اهتزت في انتخابات مايو/أيار التي خسر فيها أكثر من ثلث مقاعده في البرلمان وذهب كثير منها إلى سنّة متحالفين مع حزب الله. وتمكن الأخير من ضمان مقعد وزاري لأحد حلفائه السنة. ويشكل هذا مكسبا كبيرا لحزب الله وحلفائه الذين يسعون منذ فترة طويلة لتقويض هيمنة عائلة الحريري على السنة منذ الحرب الأهلية. ومع تنامي نفوذ حزب الله، حولت السعودية تركيزها بعيدا عن لبنان إلى ربوع أخرى في المنطقة، وهو ما أضعف خصوم الجماعة الذين كانوا يستفيدون من دعم المملكة، لكن الرياض أكدت مؤخرا أنها ستواصل دعم لبنان حفاظا على استقراره. واضطر حزب القوات اللبنانية، الجماعة المسيحية المناهضة بشدة لحزب الله والمتحالفة مع الحريري، إلى تقديم تنازلات كبيرة خلال المشاحنات السياسية على مدى تسعة أشهر حول الحقائب الوزارية برغم أنه زاد عدد مقاعده في البرلمان. ولم يضطر أكبر حليف مسيحي لحزب الله وهو الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر الذي ينتمي له، إلى تقديم تنازلات بذات الدرجة. وكان التنازل الأكبر هو منح الحلفاء السنة لحزب الله المجال الذي يحتاجونه للانضمام للحكومة وهي التي كانت نقطة خلاف بين الحلفاء، لكن عون الذي يدعم حمل حزب الله للسلاح لا يزال يسيطر على ثلث الحكومة. يقول نبيل بومنصف وهو منتقد لحزب الله وكاتب عمود في صحيفة النهار اللبنانية "بالتأكيد نفوذ حزب الله إلى تنامي واتساع ولا يمكن إنكار ذلك أبدا"، مشيرا إلى أن حلفاء الحريري أخفقوا في تحقيق كل مطالبهم. وأضاف "الخلل الاستراتيجي في الموضوع يؤكد أن لحزب الله نفوذ قوي في هذه الحكومة أكثر من الحكومة السابقة حتما".
مشاركة :