د. محمد الصياد* بما أن الاحتياطي الفيدرالي بدا في سياساته أكثر تواضعاً في زيادات سعر الفائدة، فإن هناك القليل من الشك في أن هذا الرفع سيكون له تأثير في إبطاء الاقتصاد. يذهب بعض المتعاملين في أسواق المال العالمية، وبعض محلليها، إلى القلق من أن منحنى العائد (وهو عبارة عن الفجوة بين سعر الفائدة على سندات الخزانة لمدة 10 سنوات وسندات الخزانة لمدة سنتين)، يقترب من أن يكون عكسياً، حيث صار سعر الفائدة على السندات لمدة 10 سنوات أعلى بنسبة 0.12 نقطة مئوية فقط من سعر الفائدة على السندات مستحقة الدفع بعد سنتين. ينبع قلق هؤلاء المتعاملين، من أن أي منحنى عائد عكسي، قد ارتبط تاريخياً بركود مستقبلي قريب. وبما أن منحنى هذا العائد أضحى عكسياً، كما ذهب مقال كتبه ونشره مات فيليبس في نيويورك تايمز في يونيو 2018، فقد أكد أن ذلك يعد إيذاناً بقرب الدخول في مرحلة الركود؛ (علماً أن سندات الخزينة الأمريكية المستحقة بعد 10 سنوات وأكثر تسمى Bonds، فيما يطلق على سندات الخزينة التي تتراوح آجال استحقاقها بين سنتين وعشر سنوات، Notes، والفرق الوحيد بينهما، كما هو واضح في فترة الاستحقاق). الجدير ذكره، أن منحنى العائد هو الفرق بين أسعار الفائدة على سندات الحكومة الأمريكية قصيرة الأجل (على سبيل المثال سندات الخزانة لمدة عامين)، والسندات الحكومية طويلة الأجل (سندات الخزانة لمدة 10 سنوات مثالا). وعادة، حين يكون الاقتصاد في صحة جيدة، يكون معدل الفائدة على السندات طويلة الأجل أعلى من السندات قصيرة الأجل. وتكمن الفائدة الإضافية في التعويض جزئياً عن خطر أن يؤدي النمو الاقتصادي القوي الى ارتفاع كبير في الأسعار (أي إلى التضخم). وكانت عائدات السندات طويلة الأجل قد سجلت بطأً في الارتفاع في الآونة الأخيرة، ما يشير إلى أن المستثمرين قلقون بشأن النمو على المدى الطويل، رغم إظهار الاقتصاد الكثير من الحيوية. في الوقت نفسه، كان الاحتياطي الفيدرالي، يقوم برفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل، لذا فإن منحنى العائد «يفلت»، بما يعني تقلص الفجوة بين أسعار الفائدة قصيرة الأجل والأخرى طويلة الأجل. وتبلغ الفجوة حاليا بين سندات الخزانة الأمريكية لمدة عامين وعشر سنوات حوالي 0.34 نقطة مئوية، وهو نفس المستوى الذي سُجّل في عام 2007 عندما كان اقتصاد الولايات المتحدة يتجه نحو ما صار أسوأ ركود منذ حوالي 80 سنة. وإذا ما استمرت الحركة في هذا الاتجاه، فإن أسعار الفائدة طويلة الأجل ستنخفض في النهاية إلى ما دون الأسعار قصيرة الأجل. وحين يحدث ذلك، فإن منحنى العائد يصبح «معكوساً»، وهو ما يُنظر إليه على أنه «إشارة قوية للركود»، كما قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، في العام الماضي. وهو ما يتفق عليه الجميع تقريبا. فكل ركود في السنوات الستين الماضية سبقه منحنى عكسي مقلوب، وفقاً لبحث أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو. وقد كتب الباحثون في البنك في مارس من العام الماضي أن انحرافات المنحنى هي اشارت لم تكن خاطئة في جميع حالات الركود التسعة المسجلة منذ عام 1955، ولم يكن بينها سوى حالة إيجابية واحدة خاطئة، تم تسجيلها في منتصف الستينات، عندما أعقب الانكماش تباطؤ اقتصادي ولكن ليس ركودا رسميا. ومع ذلك فإن هناك من لا يوافق بصورة كاملة على هذا التحليل. وهؤلاء يقولون إن أسعار الفائدة طويلة الأجل تميل إلى اتباع المسار المتوقع لمعدل الفائدة قصيرة الأجل مع زيادة علاوة العائد، بحسبان أن مالك السندات طويلة الأجل معرض لخسارة كبيرة في رأسماله في حال انخفض السعر. على سبيل المثال، فإن من يملك سندات خزينة لمدة 10 سنوات، وحدث أن ارتفعت أسعار الفائدة من 3% الى 4% في فترة زمنية قصيرة نسبيا، فإن السعر سينخفض بنسبة تقارب ال9%. ولتغطية هذا الخطر، سوف يحتاج مالك السند في هذه الحالة إلى علاوة على السعر على المدى القصير. وينطبق نفس هذا المنطق على السندات قصيرة الأجل (لمدة عامين)، باستثناء أن الخسارة المحتملة من الارتفاع في أسعار الفائدة، هي أقل بكثير، لذلك فإن العلاوة اللازمة لتعويض المخاطرة، ستكون أصغر بكثير. ومع ذلك فإن هؤلاء يستدركون، بما يفيد عدم استبعاد نظرية المنحنى العكسي لعائد السندات كمؤشر على مَقدم الركود، فيقولون إن الخطر في هذه القضية، يتمثل في أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سوف يرفع أسعار الفائدة (بالفعل، فقد رفع الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء 19 ديسمبر 2018 معدلها بمقدار ربع نقطة مئوية، إلى نطاق يتراوح بين 2.25% و 2.5%، وهي المرة التاسعة منذ أواخر 2015، بما يؤشر الى ارتفاع ثقة البنك في أداء الاقتصاد الأمريكي). لكن رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أعرب عن اعتقاده بأننا اقتربنا من نهاية دورة ارتفاع الأسعار (الفائدة). ولهذا السبب، فإن أصحاب الديون طويلة الأجل لديهم الآن أسباب أقل للخوف من ارتفاع معدلات الفائدة قصيرة الأجل عن مستواها الحالي. لذلك، فهم لا يطالبون بأقساط مخاطر كبيرة. خوف المستثمرين سيزداد حين ينخرط الاحتياطي الفيدرالي في جولة متصاعدة من رفع سعر الفائدة، ففي حالة كهذه، يصبح من المعقول الرهان على حدوث الركود. لكن، وبما أن الاحتياطي الفيدرالي بدا في سياساته أكثر تواضعا في زيادات سعر الفائدة، فإن هناك القليل من الشك في أن هذا الرفع سيكون له تأثير في إبطاء الاقتصاد. صحيح أن قطاع الاسكان قد تضرر بشدة، كما أن ارتفاع الدولار يؤدي إلى ارتفاع العجز التجاري، الا أنه يبدو - بحسب هؤلاء - أن مصادر الضعف هذه ليست كافية لدفع الاقتصاد إلى الركود، حتى لو انعكس منحنى العائد. * كاتب بحريني
مشاركة :