غنيٌ عن القول إن الثورة المعاصرة في مجال الاتصالات والتواصل الإلكتروني بين البشر جعلت من العالم ما يُشبه القرية الواحدة الصغيرة، التي يعرف سكانها ما يجري في كل أجزائها. هذا التقارب غير المسبوق إطلاقًا في التاريخ، أحدث تغيرات ثقافية واجتماعية عميقة لدى الشعوب، خاصة تلك الشعوب التي كانت طوال تاريخها مُغلقة، أو بلغة أدق معزولة إلى حد كبير عن بقية دول العالم. وفي تقديري أن هذه التغيرات رغم حدتها ما تزال في طورها الأول، إذ إن المستقبل والأجيال الجديدة القادمة ستكون قطعًا معرضة لهذه الأفكار الوافدة من الخارج أكثر. والسؤال الذي يطرحه هذا السياق: هل نحن مهيئون وجاهزون للتعامل مع هذه التغيرات، أو قل: التحديات، بالشكل الذي يجعلنا قادرين على التعامل الإيجابي بما يضمن لنا الأمن والاستقرار والتعايش السلمي معها؟.. أنا - بصراحة - لا أرى أي مؤشرات إيجابية حتى الآن لهذا الغزو الثقافي، وأعني هنا ما يتعلق بالوعي الجمعي للناس؛ صحيح أن هناك تغيرات اجتماعية انفتاحية جيدة ومبشرة تجري الآن على مستوى (التطبيع) مع الثقافة العالمية، وهذا بلا شك مؤشر إيجابي، إلا أننا يجب ألا نغفل أن هناك (متحفظين) كثر ما زالوا يتشبثون بالقديم، أو أنهم لم يشعروا بعد بهذا التحدي القادم، هؤلاء قد لا يجرؤون على الحديث بسبب حزم الدولة واستعادة هيبتها في السنوات الثلاث الماضية، إلا أننا يجب أن لا نتجاهلهم مادام أن بإمكاننا التعامل معهم بالحجة والبرهان العقلي، وتوعيتهم بأننا شئنا أم أبينا مضطرون للتعامل مع العالم ومتطلباته، وأن الإصرار على القديم والتشبث بالموروث بلا فرز أن يتلاءم مع تنمية المجتمعات، وأن المجتمعات التي لا تكترث بالمتغيرات العالمية مصيرها للفناء. عالم اليوم ليس كعالم الأمس، فوسائل التواصل على الإنترنت طرحت من الأسئلة والأفكار، وساقت من الانتقادات، وأظهرت من العيوب في بيئتنا الثقافية والاجتماعية ما لا يمكن لنا تجاهلها إلا إذا اتخذنا النعامة والرمل أسلوبًا في التعامل. لا سيما وأن الأجيال المستقبلية لم تكن مثل أجيال ما قبل السوشل ميديا، حيث إن المعلومة التي تتدفق بغزارة من مواقع تلك الوسيلة الحديثة تتلقاها تلك الأجيال بأسئلة خطيرة، ولا يمكن لنا التحكم في منعها أو حجبها، فليس في مقدورنا إلا التعامل معها وحوارها، في الأمور المتعلقة بكثير من القضايا، ومن يتابع ما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي سيلحظ بوضوح أن هناك أسئلة كثيرة تطرح هنا وهناك، تبقى في الغالب دونما إجابة، لأننا -بصراحة- لا نملك لها إجابات مقنعة بسبب أننا ننأى باجتهادات عن النقد، الأمر الذي جعل وضعنا الفكري ضعيفًا. لذلك فإن العمل الجاد والجريء، وأكرر الجريء، على إصلاح الخطاب الديني بما يتناسب مع هذا العصر، أمر أراه في غاية الأهمية والإلحاح؛ صحيح أن الصحوة وخزعبلاتها ومغالطاتها انحسرت كظاهرة، خاصة بين منهم في العشرينيات من الشباب، لكنها، وبسبب تشددها وتعنتها وعنف بعض المنتمين إليها، تركت خطابًا مثقلاً بالاجتهادات والاختيارات الخاطئة والمغلوطة، لكننا لا يمكن أن نتخلص من ذلك، وخصوصًا أن هناك من الأسئلة والتشككات تدور بين صغار السن، ما يثير (الخوف). ولاسيما أن هذه الصحوة كانت قد خلقت مجاميع مغالطين ومكابرين، وغير موضوعيين، لذلك فإن أخشى ما أخشاه أن نبقى (نصر) على الخطاب التقليدي، ولا نلتفت للتغيرات الثقافية التي تدور حولنا، حتى يصبح الحل صعب المنال إذا لم يلامس المستحيل، ويستشعر الخطر، واستشراف المستقبل، والتعامل مع المستجدات قبل وقوعها. إلى اللقاء
مشاركة :