كابول - من الدوحة إلى موسكو، يجتمع وفد عن طالبان الأفغانية المتشددة مع طيف متنوع من مبعوثي دول تتضارب مصالحها في أفغانستان، انطلاقا من الولايات المتحدة الساعية لسحب قواتها وصولا إلى القادة السياسيين في كابول الذين يتصارعون على السلطة. وفي خضم هذا المشهد، يبدو الرئيس الأفغاني أشرف غني مهمشا في وقت تتجاهل فيه الحركة التي أطاح تدخل عسكري دولي تقوده واشنطن بحكمها قبل نحو 18 عاما، دعواته للانفتاح على السلام وتتفاوض بدلا من ذلك مع حلفائه وأعدائه على مستقبل البلاد. ويشير خبراء إلى أن القوى الإقليمية بما فيها خصما الولايات المتحدة: إيران وروسيا، تسعى لاستمالة طالبان التي حددت منذ الآن رؤيتها للحكم الإسلامي فور مغادرة القوات الأجنبية. لكن غني أصبح المشكلة الرئيسية التي يتم تجاهلها إذ لم تُدعَ إدارته المدعومة من الولايات المتحدة إلى الطاولة رغم فشل جهود استمرت على مدى عام لبدء حوار مع طالبان. وقال المحلل مايكل كوغلمان من مركز ويلسون في واشنطن، إن "المفارقة المحزنة هي أن الحكومة الأفغانية تواجه خطر البقاء خارج سيناريو عملية السلام الذي وضعته بنفسها". ويصر حلفاء غني في واشنطن على أن الأفغان هم من يجب أن يقود عملية السلام فيما يبدو أن الضغط الأميركي المستمر منذ أشهر لجلب حركة طالبان كان هدفه إقناعها بالتفاوض مع الحكومة في كابول. وبلغت هذه الجهود ذروتها في ستة أيام غير مسبوقة من المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان في الدوحة في يناير/كانون الثاني. الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي مع رئيس وفد طالبان شير محمد عباس ستانكزي في موسكو موسكو تجمع طالبان بأمراء حرب سابقين وخصوم للرئيس الأفغاني الحالي أشرف غني وانتهت المفاوضات الماراثونية بإشادة الطرفين بـ"التقدم" الذي تم تحقيقه، ما أثار مخاوف الأفغان من إمكانية إبرام الولايات المتحدة اتفاقا مع المتمردين يقضي بسحب قواتها قبل التوصل إلى سلام دائم مع كابول. وفي هذا السياق، قال الباحث الفرنسي المتخصص بالشأن الأفغاني جيل دورونسورو "إنها إهانة كبرى إذ لا يمكن للحكومة في كابول أن تستمر دون الأميركيين". وبعد أسبوع من ذلك، وافقت طالبان على عقد اجتماع نادر من نوعه في روسيا مع بعض أبرز خصوم غني، في إطار منفصل عن محادثاتها مع الجانب الأميركي. وأفادت طالبان بأن المحادثات في موسكو والتي تستضيفها مجموعة من الجالية الأفغانية في روسيا ستبدأ الثلاثاء وستتطرق إلى "إنهاء الاحتلال والسلام الدائم في الوطن الأم وإقامة نظام حكم إسلامي أفغاني". وتعهد غني الذي تم تجاهله للمرة الثانية بأنه لن يقف متفرجا بينما تجري مناقشة مستقبل بلاده في الخارج. وقال في خطاب الأحد تزامن مع التسريبات المتعلقة بمؤتمر موسكو "لن أستسلم لاتفاق سلام مؤقت حتى آخر قطرة في دمي". وفي كابول، يسود شعور بالإحباط والخيانة. واتهم أمرالله صالح، وهو أحد حلفاء غني، الشخصيات الأفغانية المتوجهة إلى موسكو لعقد محادثات مع طالبان بمن فيهم الرئيس السابق حامد كرزاي، بـ"استجداء الإرهابيين"، معتبرا أن "التبسم في وجه العدو هو ضربة للروح الوطنية". وقال رئيس الوزراء الفعلي لأفغانستان عبدالله عبدالله بعد محادثات الدوحة "نقدّر الجهود لكن على أي محادثات سلام متعلقة بأفغانستان أن تجري تحت مظلة الحكومة الأفغانية". الحكومة الأفغانية تشعر بالإحباط والخيانة لتجاهلها في محادثات السلام ولعقد طالبان اجتماعات مع خصوم الرئيس أشرف غني ولطالما رفضت طالبان التي حكمت أفغانستان بيد من حديد من العام 1996 حتى 2001 التعامل مع غني وحكومة كابول التي تعتبرها دمية في أيدي واشنطن. وبدلا من ذلك، اختار المتمردون المضي قدما بأجندتهم الدبلوماسية. وقال المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد إن محادثات موسكو ستشهد "فتح قنوات نحو التوصل إلى تفاهم" مع القادة الأفغان خارج الحكومة. ويعد اجتماع من هذا النوع بين طالبان وسياسيين أفغان، بينهم كرزاي الذي عينته الولايات المتحدة، غير مسبوق تقريبا. ويشير المحللون إلى أن خصوم غني قد يجدون فرصة في هذه المحادثات مع طالبان لتقويض قيادته قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في يوليو/تموز. ومن الواضح أن طالبان باتت تجذب إلى فلكها مجموعة من القوى المتخاصمة التي تبحث عن نهاية للحرب تتناسب مع طموحاتها الإستراتيجية. وقال مدير المعهد الأفغاني للدراسات الإستراتيجية في كابول داوود مراديان إن الكثير من هذه القوى "تعبر عن رؤى ومصالح متصارعة" في ما يتعلق بأفغانستان. وأضاف أن الولايات المتحدة وأفغانستان والهند تسعى إلى ديمقراطية مستقرة تشكل درعا في وجه الإرهاب. وعلى الضفة الأخرى، تسعى كل من طالبان وباكستان إلى حكم إسلامي في كابول. وأشار مراديان إلى أن مجموعة أوسع من "أصحاب المصالح المشروعة والانتهازيين" بما في ذلك روسيا والصين وإيران تركز أنظارها على تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة. وأفاد دورونسورو أن المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة التي تتواصل في وقت لاحق هذا الشهر تعد بمثابة "إقرار بالهزيمة" من قبل واشنطن في حملتها العسكرية في البلاد لا يمكن لروسيا وإيران اللتان انخرطتا في محادثات مع المتمردين، إغفالها. وبإمكان رحيل القوات الأميركية في حال تحقق ذلك بموجب اتفاق مع طالبان، جر المنطقة إلى حرب جديدة من أجل الهيمنة في أفغانستان. وقال دورونسورو إن "الهند وباكستان وإيران ستختار جميعها أحد الأطراف. لا شيء واضح اليوم. الجميع يهيئون أنفسهم" للعب دور ما في أفغانستان.
مشاركة :