انخرطت الأحزاب السودانية المنضوية تحت قوى الحرية والتغيير في تدشين تفاهمات ثنائية مع أطراف داخل التحالف وخارجه، بهدف مواكبة التطورات السياسية التي يفرزها التوقيع النهائي على اتفاق السلام، مطلع أكتوبر المقبل، وتخفيف الضغوط التي تواجهها القوى الثورية، بعد أن تفرّغت للخلافات البينية، وسط أوضاع سياسية صعبة أصبحت أحد أبرز ملامح المرحلة الانتقالية. تعمل قوى وأحزاب عدة على تقوية الكتل الرئيسية داخل قوى الحرية والتغيير قبل انعقاد المؤتمر التداولي المقرر الشهر المقبل، لإعادة ترتيب أوراق التحالف من جديد بعد أن تصدعت الكثير من جدرانه، ولم يعد قادراً على القيام بأدواره كحاضنة سياسية للحكومة، غير أن هذه التحركات تشي بأن هناك معركة خفية بين هذه الكتل التي تتشكل تحديدا من تيار يقوده الحزب الشيوعي، وآخر يتزعمه حزب الأمة. حامد التيجاني: التحالفات مهمة لكنها ضعيفة وتتأثر بأجواء المرحلة الانتقالية حامد التيجاني: التحالفات مهمة لكنها ضعيفة وتتأثر بأجواء المرحلة الانتقالية تسعى ما تسمى بـ”أحزاب الثورة” إلى تأمين نفسها من الهزات العنيفة التي تعرضت لها مؤخراً، وأفرزت وجود قوى شبابية غير منظمة استطاعت أن تسحب البساط منها، وظهر ذلك في مظاهرات الـ30 من يونيو الماضي، وكانت فيها الكلمة العليا للجان المقاومة الشعبية من دون تأثير واضح للأحزاب التي بدت تابعة لحركة الشارع، وليست صاحبة التأثير في مواقفه واتجاهاته. أنتجت الاجتماعات التي عقدتها مجموعة من الأحزاب مؤخرا تكتلا يقوده الحزب الشيوعي الذي وقّع إعلاناً سياسياً مع الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، وينضم إليه أيضاً تجمع المهنيين (السكرتارية الجديدة) الذي وقّع بدوره إعلانا مشابهاً مع حركة الحلو، إلى جانب الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان المرغني، حيث أبدى بدوره ترحيبا بهذه التفاهمات. أما التيار الثاني، فيقوده حزب الأمة القومي، الذي أعلن تجميد نشاطاته في هياكل قوى الحرية والتغيير قبل أن يكثّف جهوده للتوافق مع قوى إسلامية، منها المؤتمر الشعبي، وبدا من الواضح أن حزب الأمة يضغط عن طريق الكتل المعارضة للحكومة لتقوية نفوذه، غير أن هذه التحركات أفقدته كثيراً من رصيده لدى قوى الثورة التي ترفض وجود تيارات إسلامية. وهناك تيار ثالث يتشكل في الأفق بين أحزاب المؤتمر السوداني والبعث العربي والتجمع الاتحادي والجبهة الثورية بكافة فصائلها، بعد عودة تمثيلها داخل قوى الحرية والتغيير، ليتمكن من حصد مكاسب سياسية في مواجهة الأحزاب التقليدية. وبرأي القيادي بقوى الحرية والتغيير، نورالدين صلاح الدين، أن التفاهمات لا تنفصل عن التغييرات السياسية التي سوف تفرز توقيع اتفاق نهائي للسلام مطلع الشهر المقبل، لأن هناك مجلسا تشريعيا يجري تشكيله، وتعديلات جوهرية سيتم إدخالها على شكل السلطة التنفيذية، ما يتطلب توافقا بين الأحزاب السياسية المتعددة. خالد الفكي: تحالفات هشة تهدف إلى تحقيق مكاسب آنية خالد الفكي: تحالفات هشة تهدف إلى تحقيق مكاسب آنية وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن توالي الاجتماعات يبرهن على أن هناك محاولات جادة لترميم التحالف الحكومي، بغرض تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة. وفسر نورالدين، وهو يشغل منصب نائب الأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، موقف حزبه من التقارب مع الجبهة الثورية، بأن ثمة مرجعية فكرية مشتركة بين الحزب والجبهة، وتوافقا سياسيا حول التعامل مع جملة من الأزمات الحالية، ولم يستبعد حدوث تحالفات واندماجات بين حزب المؤتمر والجبهة الثورية خلال الفترة المقبلة، بما يمهد للإعداد إلى خوض الانتخابات بعد انقضاء المرحلة الانتقالية. ويتفق العديد من السياسيين على أن التوافق بين القوى المدنية والحركات المسلحة يختصر كثيراً من خطوات إنهاء حالة الحروب في مناطق النزاعات، ويضمن عدم العودة إلى استخدام السلاح مجدداً، غير أن الأمر بحاجة لتكون هناك تحالفات سياسية قوية وراسخة، وليس مجرد تفاهمات. ومن المرجح أن يلي التفاهمات الحالية بين الحزب الشيوعي وحركة الحلو أخرى مماثلة مع حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، في إطار الصراع بين القوى المدنية المهيمنة على الحكومة وبين المكوّن العسكري الذي ينظر إلى الحركة السياسية بريبة وقلق. وشكك المحلل السياسي خالد الفكي، في استمرار التفاهمات السياسية بين القوى المدنية والحركات المسلحة مستقبلا، واصفها إياها بـ”الهشة والتكتيكية”، وأن لديها هدفا محددا، وهو الضغط على السلطة الانتقالية لحصد مزيد من المكاسب مع إعادة توزيع تركة المناصب السياسية. حيدر إبراهيم علي: تحركات للسيطرة على الكتلة الصلبة في مناطق الهامش حيدر إبراهيم علي: تحركات للسيطرة على الكتلة الصلبة في مناطق الهامش وأوضح لـ”العرب” أن سيولة الأوضاع السياسية في السودان تنعكس سلباً على التحالفات الحزبية التي تتطلب بيئة متماسكة لتحقيق الأثر المرجوّ منها، كما أن تعدد التفاهمات واللقاءات قد يكون مفيداً حاليا، غير أن الفشل يعني أن هذه الأحزاب أضحت قريبة من التفكك. وتستهدف التكتلات الحالية سد الثقوب التي يمكن أن ينفذ من خلالها فلول النظام البائد الذين ينشطون على مستوى الشارع، ويستغلون حالة التململ من الأوضاع الاقتصادية، لكن تبقى هناك جملة من التساؤلات بشأن التقارب الحالي بين حزب الأمة والمؤتمر الشعبي الذي أسسه حسن الترابي وقاد انقلاب 1989. واعتبر سياسيون أن حزب الأمة يسعى للحفاظ على حاضنته الشعبية في ولايات الهامش. كما أن الصادق المهدي، زعيم الحزب، يدرك الثقل السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، ويريد البحث عن مظلة سياسية تسهم في تعزيز نفوذه، لأن قيادات المؤتمر أعلنت انخراطها في العديد من اللقاءات مع مسؤولين كبار، وأن الأمر لم يعد مقتصرا على الأمة. وأكد الأمين العام للمؤتمر الشعبي، بشير آدم رحمة، في تصريحات صحافية، أن حزبه أجرى لقاء مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) ناقش ضرورة توسيع الحاضنة السياسية للحكومة، بغرض الوصول إلى وفاق وطني بعد توقيع السلام. وأشار المفكر السوداني، حيدر إبراهيم علي، إلى أن هذه التحركات تستهدف السيطرة على الكتلة الصلبة من الشعب في مناطق الهامش، والتي لم تنضم إلى الحركات المسلحة، خاصة في دارفور، بعد أن اعتمدت بشكل أكبر على السلاح من دون أن تولي اهتماماً بالتنظيم والسياسة، ومن فكوا ارتباطهم بحزب الأمة لم يعد لديهم حضور قوي في تلك المناطق، كما كان في السابق. نورالدين صلاح الدين: توالي الاجتماعات يبرهن على محاولات لترميم التحالف الحكومي نورالدين صلاح الدين: توالي الاجتماعات يبرهن على محاولات لترميم التحالف الحكومي وشدد، في تصريح لـ”العرب” على وجود تغييرات كبيرة في شكل الخارطة الحزبية بعد أن أضحى الشباب غير المنظم ممثلاً في اللجان الشعبية هو المتصدر للمشهد الراهن. وأشار إلى أن المشكلة الرئيسية التي يعاني منها السودان تكمن في فقدان ثقة الشباب بالقيادات القديمة، وأن هناك تمرداً يظهر في الأفق جراء تحركات لجان المقاومة في الشارع، كما فقدت الأحزاب ذاتها القدرة على التواصل مع الشباب وكذاك توافقهم معها ما جعلها تدور في فلك أحزاب ونقابات مماثلة لها. ويتوقع مراقبون أن تحدث الجبهة الثورية التي أعلنت إرسال وفد رفيع المستوى إلى الخرطوم والولايات المختلفة الأيام المقبلة برئاسة ياسر عرمان، أن تحدث حراكاً أكبر على مستوى الأحزاب التي تخشى سحب البساط من تحت أقدامها، وقد تولي اهتماماً أكبر بالجوانب الاجتماعية والإنسانية للتواصل مع المواطنين. وقال أستاذ الاقتصاد والسياسات بالجامعة الأميركية، حامد التيجاني، إن التفاهمات الجارية استجابة لضغوط يواجهها تحالف الحرية والتغيير، لأن هذه الأحزاب تدرك أن الساحة السياسية يصعب أن تستوعب كل هذا القدر من القوى، ووهي ملزمة أن تندمج في ثلاثة أو أربعة تحالفات رئيسية لخوض الانتخابات المقبلة. ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن القوى السياسية تتقارب في الأفكار والأيديولوجيات، غير أن الاختلافات تكون على مستوى الأشخاص والتحالفات الحالية تشكل إحدى مراحل التطور الديمقراطي نحو التنافس للوصول إلى السلطة عبر وسائل شرعية، لكنها تبقى ضعيفة وتتأثر بأجواء المرحلة الانتقالية وملابساتها.
مشاركة :