الادعاء البريطاني: قطر سعت لإخفاء حصة حمد بن جاسم في «باركليز»

  • 2/6/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ضيّق ممثلو الادعاء البريطانيون في قضية فساد مصرف «باركليز» الخناق على رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم، بعدما كشفوا النقاب عن أدلةٍ تثبت ممارسة النظام الحاكم في الدوحة ضغوطاً مكثفةً على المصرف لإجباره على إخفاء حجم الحصة التي يملكها ابن جاسم من أسهمه. جاء ذلك في مستهل الأسبوع الثاني من جلسات نظر القضية التي يُتهم فيها أربعة من مسؤولي «باركليز» بالاحتيال والغش على خلفية صفقةٍ أبرموها مع جهاتٍ قطريةٍ قبل أكثر من عشر سنوات، لتأمين حصول المصرف على حزمة إنقاذٍ استهدفت تجنيبه سيناريو التأميم الذي طال عدداً من منافسيه في غمار الأزمة المالية التي ضربت العالم آنذاك. وفي جلسةٍ حافلةٍ بالمفاجآت، قدم ممثلو مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى في بريطانيا - الذي حرك الدعوى بعد تحقيقاتٍ استمرت ست سنوات - لهيئة المحلفين نصوص رسائل بريدٍ إلكترونيٍ وتسجيلاتٍ لاتصالاتٍ هاتفية تكشف تفاصيل الضغوط القطرية التي مورست على قيادات «باركليز» لحملهم على إخفاء أي تفاصيل متعلقة بحصة حمد بن جاسم في أسهم المصرف، وذلك في الوقت الذي كانت فيه هذه القيادات تحاول جاهدةً تأمين الحصول على الحزمة، التي بلغت قيمتها نحو 12 مليار جنيه إسترليني (16.6 مليار دولار أميركي). ولعب ابن جاسم - وهو أحد قطبيْ «نظام الحمدين» - دوراً رئيساً في الصفقة المثيرة للجدل التي أبرمها مسؤولو «باركليز» في هذا الشأن، في ضوء أنه كان لا يزال يشغل منصب رئيس وزراء قطر خلال الفترة التي جرى فيها التفاوض مع مسؤولي المصرف البريطاني من جهة، وكذلك عبر شركة «تشالنجر يونيفرسال المحدودة» التي تُوصف بأنها الأداة الاستثمارية التابعة له من جهةٍ أخرى. وكشفت النصوص والتسجيلات - التي أُميط عنها اللثام خلال ثامن أيام المحاكمة التي تُجرى في محكمة «ساذرك» بجنوب العاصمة البريطانية لندن - النقاب عن تفاصيل النقاشات التي دارت حول كيفية تلافي الإفصاح عن نصيب «تشالنجر» - التي تتخذ من جزر «فيرجين» وهي من ضمن الأراضي التابعة لبريطانيا فيما وراء البحار مقراً لها - من رأسمال ثاني أقدم المصارف في المملكة المتحدة. وأكد ممثلو الادعاء أمام المحكمة أن ظهور حمد بن جاسم في القضية، بدأ بوصفه رئيساً لشركة «قطر القابضة» - الذراع الاستثمارية لهيئة الاستثمار القطرية - وذلك خلال المشاورات التي جرت عام 2008 لتعزيز رأسمال «باركليز»، لئلا يُضطر إلى تلقي مساعداتٍ حكوميةٍ بريطانيةٍ، مثلما حدث مع مصرفيْ «لويدز بانك جروب» و«رويال بانك أوف سكوتلاند». وخلال الجلسة استمعت هيئة المحلفين إلى تسجيلٍ لاتصالٍ هاتفيٍ كشف فيه ريتشارد بوث المسؤول السابق عن قسم المؤسسات المالية الأوروبية في «باركليز»، وهو أحد المتهمين في القضية، عن أنه علم بأن رئيس الوزراء القطري السابق يريد أن يكون لأسرته، وهي أسرة آل ثاني الحاكمة في الدوحة، «أسهمٌ في باركليز». كما أطلعت الهيئة - حسبما ورد في تقريرٍ مطولٍ لصحيفة «الجارديان» البريطانية - على نص رسالة بريدٍ إلكترونيٍ وجهها بوث لزملائه، ومن بينهم محامية المصرف جوديث شبرد، يسرد فيها تفاصيل اجتماعه مع المسؤول عن الشؤون القانونية في الشركة التابعة لحمد بن جاسم. وأخبر بوث زملاءه في الرسالة، بأنه أُبْلِغَ خلال الاجتماع بأن رئيس الوزراء القطري السابق «يرغب في أن يبقى بعيداً للغاية عن الأضواء.. ويفضل أن تكون الأداة الاستثمارية التابعة له هي المستثمر الخامس لنا (للجانب القطري) وأن توقع هي اتفاقية الاكتتاب الخاصة بها». وبحسب الرسالة، ذَكَّرَ المسؤول المصرفي البريطاني السابق محدثه القطري بأنه سيتعين على مسؤولي «باركليز» الإفصاح عن هوية هذه الشركة، وهو ما أجاب عليه الممثل القانوني لشركة ابن جاسم بالقول: «ينبغي عليك إيجاد طريقةٍ للالتفاف حول ذلك من أجل إبقاء صاحب السعادة (في إشارة لرئيس الوزراء القطري السابق) بعيداً عن الأعين». وفي إشارةٍ أخرى إلى الجهود المحمومة التي بذلها النظام القطري لإخفاء امتلاك حمد بن جاسم حصةً في المصرف البريطاني المتعثر آنذاك، ذكر بوث في رسالة بريدٍ إلكترونيٍ أخرى - عُرِضَتْ بدورها على المحكمة في جلستها أمس الأول - أن محاوره القطري قال له إنه لن ينزعج من الكشف عن الاستثمارات الخاصة بحمد بن جاسم في «باركليز» طالما «لا يوجد دليلٌ.. يحدد بشكلٍ قاطع هوية مالك.. الأداة الاستثمارية». وأظهرت الأدلة التي كُشِفَ عنها النقاب في جلسة المحكمة أن المحاولات القطرية لإخفاء هوية حمد بن جاسم كانت تواجه مقاومةً من جانب المسؤولين عن الشؤون القانونية في «باركليز»، إذ كشف تسجيلٌ لاتصالٍ هاتفيٍ إصرار محامية المصرف شبرد على أن هناك «التزاماً عاماً بالإفصاح النزيه (عن الجهات المستثمرة في المصرف)، خاصة في ضوء المنصب القيادي للشيخ (حمد بن جاسم) في شركة قطر القابضة». وقالت المحامية - وفقاً للتسجيل - إن «علينا أن نقول الحقيقة لأن ذلك هو ما يتوجب علينا فعله»، وهو ما رد عليه بوث بالقول: «وهذه هي المشكلة»، في إشارةٍ على ما يبدو إلى حجم الضغوط التي كان يتعرض لها من جانب «نظام الحمدين» وممثليهم القانونيين في ذلك الوقت. ويأتي الكشف عن هذه التسجيلات والرسائل بعد أيامٍ قليلة من تأكيد القاضي المسؤول عن نظر القضية روبرت جاي على أن الإدانة المحتملة لمسؤولي «باركليز» الأربعة المتهمين فيها، يعني بالضرورة تورط قطر بدورها في القضية المتصلة بإخفاء عمولاتٍ حصل عليها حمد بن جاسم وأعوانه مقابل حزمة الإنقاذ التي تلقاها المصرف. وتشمل قائمة المتهمين - إضافة إلى ريتشارد بوث - كلاً من جون فارلي الرئيس التنفيذي للمصرف وقت إبرام الاتفاق الخاصة بالصفقة، وروجر جينكنز الرئيس السابق لمجلس إدارة وحدة التمويل الاستثماري المختصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيه، وتوم كالاريس المسؤول عن وحدة إدارة الثروات في «باركليز». وتتعلق التهم الموجهة لهم بتقديم المصرف البريطاني قرضاً لـ «قطر القابضة» بقيمة 2.7 مليار جنيه إسترليني (أي ما يوازي ثلاثة مليارات دولار أميركي) في إطار صفقةٍ جانبيةٍ تم إبرامها لإتمام حزمة الإنقاذ المالي، مع الزعم في الوقت نفسه بأن القرض ليس سوى مقابل لحصول «باركليز» على «خدماتٍ استشاريةٍ» من الجانب القطري. ولكن القاضي وصف الاتفاق بأنه «زائف» في ضوء عدم حصول المصرف على أي استشاراتٍ من أي نوع. وأكد في مداخلةٍ له أمام هيئة المحلفين أن ذلك الاتفاق «يتطلب طرفيْن » وليس طرفاً واحداً، في انتقادٍ مبطن لكون التهم الجنائية التي يوجهها مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى في المملكة المتحدة في إطار الدعوى، لا تشمل سوى قيادات المصرف البريطاني السابقين وحدهم. وشدد القاضي كذلك على أن التهم الموجهة لمسؤولي «باركليز» بالاحتيال والغش، تفيد كذلك بأن هناك «شخصاً أو أكثر.. على ارتباطٍ بالكيان القطري (المتورط في الاتفاق) هم الآخرون مخادعون أو غير شرفاء بالمعنى الجنائي. ولا يمكن الالتفاف حول ذلك». ويتهم الادعاء مسؤولي «باركليز» بدفع «عمولاتٍ سريةً» لـ «حمد بن جاسم» والجهات القطرية المشاركة في الصفقة، مقابل مسارعتهم بضخ مليارات الدولارات في شرايين المصرف. ويقول إن قيمة هذه العمولات بلغت أضعاف ما مُنِح للمستثمرين الآخرين. ويؤكد مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى أن تلك العمولات بدأت بـ 125 مليون جنيه إسترليني ثم قفزت إلى 280 مليوناً، دون أن يُكشف للمستثمرين في أسواق المال البريطانية عن طبيعتها بشكلِ محددِ ومفصل، وهو ما يشكل انتهاكاً للقواعد التي يخضع لها «باركليز» باعتباره مصرفاً مُدرجاً في البورصة في المملكة المتحدة ويلتزم بحكم القانون بـ «الكشف علناً عن تفاصيل الاتفاقات التي يبرمها». ويبرر المدعون عدم توجيه تهمٍ رسميةٍ حتى الآن لأركان النظام القطري الضالعين في هذه المؤامرة الشائنة، بأنهم لم يكونوا هم الملزمين أمام الرأي العام في بريطانيا بكشف جوانب الصفقة، بل كانت قيادات «باركليز» هي المعنية بهذا الأمر، بموجب القوانين السارية في المملكة المتحدة.

مشاركة :