الذكاء العاطفي مهارة يتعلمها الطفل عبر محاكاة والديه

  • 2/6/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

واحدة من حقائق الحياة المهمّة أن يشعر أحدنا بالرضا والثقة بالنفس خاصة في اللحظات العصيبة حين يواجه الفشل. إذ يمتلك بعض الناس ما يسمّى بالذكاء العاطفي، الذي يتمثل في قدرتنا على فهم مشاعرنا وما يجري بداخلنا، ومدى تأثير ذلك على مزاجنا وقراراتنا ما يمكننا من إدارتها بشكل واع والتحكم في ردود أفعالنا وسلوكنا الذي يتسبب أحيانا في اندفاعنا وحماسنا المبالغ فيه تجاه أمور معيّنة قد لا تستدعي ذلك. يعتمد الذكاء العاطفي بشكل أساس على الوعي والإدراك لمشاعرنا والتحكم فيها، وهو ما يتيح لنا التعامل مع المفاجآت التي تطرأ على حياتنا كما يحدد طبيعة علاقتنا بالآخرين والمهارات التي نحتاجها للتواصل معهم. ورغم عدم اتفاق علماء النفس على تعريف محدد للذكاء العاطفي، إلا أنه في العموم يشتمل على ثلاث مهارات مهمّة وهي: الوعي العاطفي أو القدرة على تحديد وتسمية المشاعر الخاصة، ثم القدرة على تسخير هذه المشاعر وتطبيقها على مهام مثل التفكير وحل المشكلات. وبعدها تأتي القدرة على إدارة المشاعر عند الضرورة، وبالتالي القدرة على تشجيع وتهدئة الآخرين الموجودين في محيطنا الاجتماعي، متى ما احتاجوا إلى دعمنا. لكن، ماذا لو كان هذا التحدي في مواجهة طفل لا يفقه شيئا في مهارات الكبار وقدراتهم على ترويض مشاعر معقدة مثل هذه؟ يصاب الطفل، مثل الكبار، بالإحباط بعد فشله في أداء امتحان مدرسي أو عدم اختياره ضمن أعضاء فريق رياضي أسوة بأقرانه، على الرغم من الجهود المضنية التي بذلها والحماس والرغبة في النجاح.. وهو بعد ذلك سيكون في مواجهة مشاعر قاسية لا قبل له بالتعامل معها مثل الغضب والقلق والشعور بالذنب وغير ذلك. تدريب الأبناء على بناء الذكاء العاطفي والاجتماعي، يشترط أن يكون الأهل صادقين وأمينين في مشاعرهم ويؤكد متخصصون على أهمية تعليم الطفل مهارات الذكاء الاجتماعي في سن مبكرة، فنحن لا نولد بهذه المهارات بطبيعتنا وعلينا تعلمها. ولأن تعلمها ليس بالأمر الهيّن، يوصي هؤلاء بضرورة التبكير في إيضاح الصورة للطفل قبل أن تتسنّى له مواجهة أي إخفاق في تجارب حياته اليومية. ويمكن للأولاد والبنات تعلم كيفية التعامل مع مشاعرهم وإدارة انفعالاتهم والبدء بتوجيههم نحو تجارب حياة أكثر إيجابية، وهذه المسؤولية هي التي تقع على عاتق الأهل والمربين في المقام الأول. وترى الكاتبة الأميركية مورين هيلي، صاحبة مؤلف “كيف نربي أطفالا سعداء” الحائز على جوائز عدة، أننا ندرك جيدا أبعاد الفشل ومخرجاته العاطفية عند الصغار حيث يتمثل في الصراخ وصفق الأبواب بشدة، وبعض الأطفال أيضا يحاولون دفع أمهاتهم في ظهورهن أو ضربهن وربما إيذاء أطفال آخرين قد يتواجدون في المكان ذاته. وهذا ما يوصف بالسلوك العاطفي غير الصحي، لكن كيف يبدو السلوك العاطفي الصحي وهذا ما لا يعرفه العديد من الآباء والمربين إلا في حدود ضيقة. يتعلم الطفل في وقت مبكر وبالتدريج كيف يتعرف إلى مشاعره، وبمساعدة والديه ثم يعبّر عنها بطريقة بناءة بعد أن يأخذ نفسا عميقا وليس بطريقة تدميرية كما هو الحال مع ردوده الغاضبة والمباشرة، بعد أن يكون قد تعرض للإحباط بسبب الفشل وعدم القدرة على مواجهة موقف ما ضمن حياته اليومية. كما يتعلم الطفل من خلال هذه التجربة العاطفية كيف يكون مرنا، يبني شخصيته، ويحدد خياراته الذكية عندما تتسنى له مواجهة مشاعره السلبية وهي مهمات ليست يسيرة بالتأكيد، لكنها ممكنة مع زيادة المران ومواصلة ضخ النصائح المفيدة والتعامل مع الطفل باحترام وتقدير. إذ أن الأساس في عملية التعلم بكل وجوهها أن يأتي في إطار احترام عقل الطفل وخياراته وقدراته الحقيقية. وفي إطار الذكاء الاجتماعي تحديدا ينبغي له (مثلما هو الأمر لدى الراشدين)، أن يطوّر سمات معينة مثل ضبط النفس، الوعي الذاتي وقدرات اتخاذ القرار. ترويض مشاعر معقدة ترويض مشاعر معقدة وتشير هيلي إلى مجموعة من الاستراتيجيات التي تساعد الأهل في تدريب أطفالهم على بناء الذكاء العاطفي والاجتماعي، وأهمها أن يكون الأهل أنفسهم صادقين وأمينين في مشاعرهم ويعبرون عنها بشفافية أكبر أمام أطفالهم؛ فعندما يواجهون يوماً عصيبا بإمكانهم القول إنه “كان يوما شاقا وأحتاج إلى أن آخذ نفسا عميقا”. وعلينا أن نتذكر دائما أن الطفل يتعلم بصورة سريعة من خلال محاكاة سلوك الوالدين، ومن خلال هذه المحاكاة بإمكانه أن يتعلم استراتيجيات تهدئة مشاعر الغضب أو الإحباط وذلك بتسمية انفعالاتهما ووصفها ثم إدارة مشاعره بطريقة بناءة، تماما مثلما يفعل الأهل، سواء أكان الأمر يتطلب مثلا التخلي عن استخدام أجهزتهم الرقمية والتوازن في استخدام النشاطات اليومية، أم التعامل مع الفشل أو خيبة الأمل بمعرفة مكامن الضعف أو الخطأ. كما أن الدعم المعنوي الذي يتلقاه الطفل مهم جدا في السيطرة على المشاعر الحادة وترويضها. ومن جانب آخر، تؤكد بعض الدراسات أنه لا يوجد مقياس أو اختبار محدد للذكاء العاطفي مصادق عليه من قبل المتخصصين كما هو الحال مع مقياس الذكاء العام، بل إن بعض النقاد يلمحون إلى أن المفهوم نفسه غير واضح أو غير موجود تماما. وعلى الرغم من ذلك، فإن الذكاء العاطفي مفهوم يمتلك شعبية كبيرة ويتم تداوله على الدوام من قبل الباحثين أو عامة الناس. وفي السنوات الأخيرة، أدرج بعض أصحاب الأعمال والشركات الرصينة اختبار “الذكاء العاطفي” باعتباره أحد الشروط الواجب تطبيقها في إجراء مقابلات العمل للموظفين الجدد، باعتباره مقياسا لكفاءة العاملين ويعبّر عن الصلة الموجودة بين تمتع الشخص بالذكاء العاطفي ومستوى أدائه الوظيفي، لكن استخدام هذا المقياس لم يزل في حدود ضيقة لعدم اعتماد اختبار محدد له حتى الآن.

مشاركة :