قد تحدث للشخص حادثة بسيطة توقظ بداخله مشاعر كانت متناثرة، لتجتمع متوحدة ومن خلالها ينطلق عقله، بسبب الانشغال بهذه الدنيا، كفانا الله وإياكم شرها ورزقنا خيرها. في مجلس نساء تنوعت فيه الأعمار ما بين الثمانينيات والأربعينيات والعشرينيات والأطفال.. وتنوعت فيه الأحاديث ما بين فقد الزوج والتحسر على إهمال الابناء وضغط الأعمال وجور العاملات وتمرد السائقين وجمع الأموال وشراء العقارات والتخفيضات والنصائح الكثيرة للكل من وجهة نظر المتحدث، ولا تكاد تخلو أي جلسة من مناقشات حادة وضحكات عالية تتمنى بلحظتها أنك تتحكم بحواسك لتزيل حاسة السمع وترسم على وجهك ابتسامة دون المشاركة بأي حدث.. ولكن أحيانا تجبرك بعض المداخلات على الإنصات الجيد لتعرف إلى أين سيصلون بها.. وهذا ما حدث بين اثنتين لكل منهما وجهة نظر في الزوج والزواج، مع العلم أنهما مترملتان منذ أكثر من عشر سنين.. فكان الحوار ان بدأ بترحم احداهن على زوجها بشكل ينم عن فقدها الشديد له برغم السنين الطويلة ودعوتها بأن تراه في جنات النعيم.. فتبرّم وجه الأخرى وقالت: (إلا الحمد لله، افتكينا منهم، ويا جعلي بجهة وهو بجهة بالجنة)!!!! فكان الهجوم.. وبدأت العبارات (انتن مكفرات للعشير.. يا حطب جهنم.. يا ناكرات العشرة)، وتحول المجلس من هدوء ونقاشات جانبية إلى قوتين احداها مع والأخرى ضد.. والأبشع من ذلك الكم الهائل من الفتاوى التي لا أعلم لها أصلاً والتجارب الكثيرة لفلانة وفلتانة، والتي أجزم ان معظمها ليس صحيحا، ولكن من باب المشاركة فقط والمداخلة، ناهيك عمن أخذت جانباً من المجلس وأخذت تشكو همها.. كل ذلك وأنا انتظر ساعة الحسم والتي أخيراً نطقت بها من اعتقد أنها العقل المتحكم بهن بقولها: (اقول بس.. اذكروا محاسن موتاكم زينين أو شينين!!).. هنا لم اتمالك نفسي من الابتسامة والتي ارتسمت على وجهي الذي عبّر للجميع عن ألمي فيما يتعلق ببنات جنسي. والحادثة الأخرى.. رجل مع زوجته يجلسان بقربي بأحد المستشفيات.. وفجأة رن جرس الهاتف، وعلى مضض سأل الزوج عن المتصل وكان في حالة مزاجية سيئة. فأجابت الزوجة: أختك الفاضية. فأردف قائلاً: عز الله انها فاضية، لا تردين عليها، فكان عدم الرد والعودة للصمت. ولا حول ولا قوة إلا بالله. كثير من العبارات لامستني، لم أعر انتباهاً للقصص والحكايات والفتاوى، لا، ولكن أعرت انتباها لأمر حقيقي وهو (حطب جهنم.. مكفرات للعشير.. ناكرات للجميل.. ذكر الأهل بما يشينهم).. وإن لم يكن بكل النساء والرجال، ولكنه بالبعض، هذا الأمر يكاد يكون بكل مكان.. تجد المرأة تشكو زوجها أو تنقل عنه كل سيء (وقد يكون كذباً - فقط من باب درء العين عنها).. والزوج يسب أهله أو ينقص قدرهم لإرضاء زوجته أو لتوضيح رجولته وقوته، ونسوا أن الصمت والكلام الطيب أكثر أجرا من الحديث لأنه صبر وتحمل كبير. ولن أقول إن هذا الأمر للنساء دون الرجال أو العكس، بل قد يكون من الرجال من هو للأسف كالنساء يتكلم ويسيء ويفتي ويسرد القصص ويكذب، ولكن لكل صفة أغلبية وهنا الغلبة للنساء فيها. فلنقف قليلاً قبل ان نقول أو نتحدث أو نفعل أي شيء.. ولنضع أنفسنا في مكان الطرف الذي سيسلخ، حياً كان أو ميتاً.. ولنقس هذا التصرف على أنفسنا.. هل سنقبل؟؟ بأن أكون تحت الارض وبدل ان يذكرني زوجي بخير.. يقول ما قلته أنا عنه؟؟ أن تفسر أفعالي وتصرفاتي بهوى البشر وأفكارهم دون الاستفسار مني؟؟ أن يُتدخل في حياتي وتساس أمور من قبل البعض دون علمي؟؟ أن يقال عني ما قيل أمامي عن أي شخص؟؟ هل سيرضيني أن يُسب زوجي، أهله وذويه وقرابته، ليصبح في عيني شيئا كبيرا؟؟ هل وهل وهل؟؟؟ متى ستكون عقولنا أكبر من أجسادنا اللي تحتويها؟ متى نحكم الكلمة قبل أن تحكمنا؟ متى نضع تصرفاتنا وألسنتنا في ميزان الحق والقياس على النفس قبل أن نسقطها على الآخرين؟؟؟ متى؟؟؟ حقاً متى؟ تربوية متخصصة بالعلوم الشرعية والنفسية
مشاركة :