كانت الزيارة المشتركة التي أداها كل من قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، لدولة الإمارات العربية المتحدة، أيام الأحد والاثنين والثلاثاء من الأسبوع الجاري، زيارة تاريخية بكل المقاييس والمعاني والاعتبارات الممكنة. فهي تاريخية لكونها أول زيارة في التاريخ يقوم بها الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية إلى شبه الجزيرة العربية.. وتاريخية لأن الإمارات كانت وجهتها وصاحبةَ الفضل في هذا السبق التاريخي باستضافة زيارة بابوية كهذه، وبالتزامن مع إعلانها عام 2019 عاماً للتسامح.. وتاريخية أيضاً بالنظر للعدد الهائل من المتابعين لها في أنحاء العالم، وكذلك عدد المشاركين (من ضيوف ومدعوين ومستقبلين)، إلى جانب التغطية الإعلامية التي حظيت بها وأوصلتها إلى جميع أركان المعمورة.. كما أنها تاريخية بالنظر لما شهدته من أنشطة ولقاءات وفعاليات وما تم إعلانه من قرارات وكشفه من مشاريع خلالها؛ مثل تنظيم مؤتمر «الأخوة الإنسانية» لنقاش العلاقات المسيحية الإسلامية، والكشف عن حجر الأساس لبناء مسجد فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب وكنيسة القديس فرنسيس في أبوظبي.. وهي تاريخية أيضاً لكونها شهدت توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية» الهادفة إلى تعزيز العلاقات الإنسانية وبناء جسور التواصل والتآلف والمحبة بين الشعوب والتصدي لظاهرة التطرف والتعريف بمخاطرها. العالم يتطلع إلى أبوظبي تقاس أهمية الأحداث الكبرى والعظمى في عالم اليوم بعدد المهتمين والمتابعين لمجرياتها. وقد استقطبت الزيارة التي أداها البابا فرنسيس لدولة الإمارة عدداً قياسياً من المتطلعين لوقائعها ومخرجاتها، إذ يعتقد أن ما يربو على ثلاثة ملايين شخص في مختلف أرجاء المعمورة، اهتموا بالاضطلاع على هذه الزيارة وما تضمنته من لقاءات ونشاطات وما أفضت إليه من نتائج وقرارات. ويعود هذا الاهتمام العالمي الواسع والملحوظ بالزيارة إلى سببين رئيسيين: أولهما الأهمية النوعية الكبيرة لدولة الإمارات وما تتمتع به من سمعة دولية ميّزتها وجعلتها محل اهتمام الكثيرين في أنحاء العالم، وقبلةً للمتفوقين والباحثين الجادين في مختلف مجالات المعرفة والسياحة والأعمال والاستثمار. أما السبب الثاني فيعود لكون الزائر قداسة البابا فرنسيس نفسه، والذي اشتهر (لدى أتباعه الكاثوليك، وغيرهم من أبناء الديانات والملل والطوائف الأخرى)، بمواقفه الداعية للسلام والحوار وترسيخ قيمهما الإنسانية.. مما شكّل مصدراً مهماً لذلك الزخم الذي حظيت به الزيارة البابوية لدولة الإمارات، لاسيما وقد تم استقباله، والوفد البابوي الكبير المرافق له، على أعلى المستويات الرسمية في الدولة، وشارك في اللقاءات المصاحبة لزيارته جمعٌ واسع من قادة الأديان وعلمائها ورجال الكنائس والسياسة والفكر والأدب والإعلام. كما تطلع العالم كله تقريباً خلال الأيام الماضية إلى لقاء البابا وشيخ الأزهر في أبوظبي، على أمل رؤية انطلاقة جديدة للحوار الإسلامي المسيحي الذي لم يحرز التقدم المنشود منذ انطلاقه في أواسط سبعينيات القرن الماضي، إذ لم ينجح في وضع قواعد يتم اتخاذها دليلاً ومرجعاً لكل الأطراف، ضماناً وتجسيداً للتعايش الحقيقي والفعلي، ولم يستطع الانتقال بعلاقات الجانبين من التعايش إلى التحالف المفيد والبنّاء.. وهو ما حاولت «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك» الاستجابة له ووضعه موضع التطبيق. ---------------------- القداس والأخوة الإنسانية وقد قام البابا صبيحة أول أمس، الثلاثاء (اليوم الختامي لزيارته)، بإحياء قداس بابوي في مدينة زايد الرياضية بالعاصمة أبوظبي، حضره 180 ألفاً من المقيمين في دولة الإمارات والقادمين من خارجها، فكان أول وأكبر قداس من نوعه يقام في الخليج وشبه الجزيرة العربية، كما كان القداس الأكثر تنوعاً في التاريخ من حيث عدد الجنسيات المشاركة فيه، وهو ما يعكس حالة التنوع الثقافي والحضاري لدولة الإمارات التي تستضيف على أرضها أكثر من 200 جنسية تنتمي لخلفيات دينية ومذهبية وعرقية وثقافية مختلفة. وكما كان القداس البابوي موضع ترحيب وارتياح من جانب الكثيرين في الدولة وخارجها، فقد أعطى دليلاً آخر على مضي الإمارات في نهجَ التسامح الديني الذي ارتضته خياراً ثابتاً وراسخاً لا رجعة عنه، وتبنّته جزءاً من إرث الشخصية الوطنية الإماراتية ومن الأساس الفكري والأخلاقي لدولة الاتحاد منذ قيامها على يدي المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. وقد مثل المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي نظمه مجلس حكماء المسلمين في أبوظبي، برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في قصر الإمارات بالعاصمة أبوظبي، على مدى يومي الأحد والاثنين الماضيين، بالتزامن مع زيارة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر لدولة الإمارات، خطوة نوعية أخرى على الطريق إلى إيجاد أرضية مشتركة للحوار بين الأديان، وتخليق طاقة دافعة تساعد على تحقيق السلام ونشر ثقافة التسامح. وكانت المهمة الأساسية للمؤتمر، كما أوضح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، في كلمة الافتتاح التي ألقاها أمام المؤتمرين، هي البحث في عمق المشتركات الحضارية والثقافية والإنسانية، وفي إمكانية تنزيل هذه المشتركات على أرض الواقع. وبالفعل فقد أجمعت جلسات المؤتمر وورشات عمله وأوراقه النقاشية والتعقيبات المقدمة خلاله، على أن النصوص الدينية جميعاً ترسخ قيم العدالة والمساواة والمحبة والأخوة بين البشر، كما أكدت ضرورة الحوار بين الأديان سبيلاً لترسيخ التعايش باعتباره المعنى الأكبر للتسامح، وعلى تجاوز التحديات التي يواجهها العالم من خلال توحيد الجهود والرؤى لصالح نشر ثقافة التسامح وترسيخ قيم العدل والمساواة. ولعل من أهم مخرجات المؤتمر ومنجزاته التاريخية، وهي مهمة كلها، «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك»، والتي وقّعها كل من البابا فرنسيس وشيخ الأزهر، بوصفها دليلاً وخريطة إرشادية للأجيال الصاعدة والقادمة نحو ثقافة الحوار والاحترام المتبادل. فقد أكدت الوثيقة أهمية إيقاظ الحس الديني في نفوس الأجيال والتمسك بالتعاليم الروحية القويمة، وعلى ضرورة إعادة اكتشاف قيم السلام والعدل والخير والجمال كطوق نجاة للجميع، ودعت للكف عن استخدام اسم الله لتبرير أعمال القتل والتشريد والبطش، كما أدانت الأعمال الإرهابية وأعمال الإبادة الجماعية. كنيسة متعاطفة ومعلوم أن مجلس حكماء المسلمين، برئاسة فضيلة شيخ الأزهر، وهو أحد المؤسسات العديدة العاملة انطلاقاً من دولة الإمارات على إصلاح وترشيد الخطاب الديني ونشر ثقافة التسامح والاعتراف بالآخر الثقافي والحضاري، قد بذل جهداً دؤوباً وخلّاقاً على مدى الأعوام الماضية في سبيل الدفع بالحوار الإسلامي المسيحي وإعادة إطلاقه مجدداً على أرضية أشد صلابة وثباتاً وباتجاه آفاق أكثر رحابة واتساعاً. وفي ذلك السبيل تمت لقاءات عدة بين شيخ الأزهر والبابا فرنسيس منذ وصول الأخير لمنصبه البابوي، وما أضفاه على المنصب من اهتمام ملحوظ ومتزايد بالمشتركات الإنسانية الكبرى، وبضرورة استثمارها الاستثمار الأمثل لصالح السلام العالمي. وقبل انتخابه حبراً أعظم للفاتيكان في عام 2013، عرف البابا الحالي بنبرته الانتقادية الواضحة ضد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومظاهر الفساد المتفشية في بلاده الأرجنتين، وبأحاديثه حول «الهجرة التي يتجرعها الشباب لانعدام المستقبل»، وذلك خلال السنوات التي أمضاها كبيراً لأساقفة بوينس آيرس ورئيساً لمؤتمر أساقفة الأرجنتين، كما عرف بانتقاده مظاهر انعدام المساواة والفوارق الاجتماعية الصارخة، وبالاستياء من الرأسمالية المتوحشة. وقد أبدى دائماً تعاطفه الكبير مع الفقراء والمهاجرين وضحايا الإيدز، لاسيما أنه ينتمي إلى طائفة «الفرانسيكان» الذين يُعلُون دائماً من قيمة التواضع والاقتراب من الضعفاء والمحتاجين. وإلى جانب مواقفه المتعاطفة كثيراً مع الفقراء والمرضى واللاجئين، فإن مواقفه الإيجابية والمنفتحة على الإسلام والمسلمين شكلت نقطة تحول نوعي ومضيء في تاريخ البابوية وعلاقات الكنيسة الكاثوليكية بالإسلام والمسلمين. فقد صدرت عنه مواقف شديدة الإيجابية حيال الإسلام والمسلمين، لاسيما رفضَه القاطعَ إلصاقَ تُهم الإرهاب أو العنف أو التحريض بالإسلام كديانة وعقيدة ورسالة، ورفض إلقاء تلك التهم جزافاً بوجوه المسلمين في مجموعهم أو حتى بحق السواد الأعظم منهم. وهو الموقف الأكثر تحرراً وتقدماً تجاه الإسلام وأهله، في تاريخ المواقف البابوية كلها تقريباً. وكان ذلك تحولا مهماً تلقته، على الجانب الآخر، الجهاتُ المعنية بملف الحوار الإسلامي المسيحي، بكثير من الترحيب والتشجيع والاستحسان، وفي مقدمتها الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة شيخ الأزهر نفسه. إدارة التنوع لكن التواصل المباشر واستحضار النوايا الحسنة والمواقف والصور الإيجابية.. كل ذلك لا يكفي بمفرده لإنجاح المبادرات الإنسانية وتحقيق مراميها على أرض الواقع، بل يلزم لإنجاحها أيضاً أن يتوافر على الأرض من الشواهد والمؤشرات والوقائع الحية ما يعزز المبادرات ويؤكد جدية أصحابها ومصداقيتهم. ولا يوجد هناك اليوم ما هو أكثر جدية وصدقية من توجهات دولة الإمارات، ومعها مشيخة الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، لاسيما في مجال محاربة التعصب والتطرف ونشر ثقافة الاعتدال والتسامح والحوار بين الثقافات والأديان والحضارات. فقد أنشأت الدولة أول وزارة في المنطقة باسم «وزارة التسامح»، وسعت من خلال هيئات وأجهزة كثيرة، مثل مجلس حكماء المسلمين، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، والمركز الدولي للتميز لمكافحة التطرف العنيف (مركز هداية).. إلى ترشيد اتجاهات الرأي العام في العالم الإسلامي، ونشر الاستنارة الفكرية في ربوعه، وإعادة التأكيد على المشتركات الإنسانية العامة. لذلك فالإمارات مؤهلة بشكل كامل للتعاطي بكل إيجابية وجدية وصدقية مع طروحات البابا فرنسيس السلامية ودعواته للأخوة الإنسانية ومُثلها الأخلاقية العالية. وقد جسدت الدولة سياسة التسامح والانفتاح إزاء المختلِف الثقافي والديني من خلال ما سنّته من قوانين لمكافحة التصعب ومناهضة الإساءة للأديان والمعتقدات الأخرى، وعبر جهودها الرامية لتمكين أصحاب الديانات المختلفة، من زائرين ومقيمين على أرض الدولة، من ممارسة عباداتهم وشعائرهم الدينية بكل حرية وأريحية. كما شهدت إقامة أولى المعابد الهندوسية والبوذية والكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذوكسية والأنجليكانية.. مما كان له الأثر الطيب في ترسيخ ثقافة التنوع والتعايش الديني على أرض الإمارات، كما مثّل رسالة سلام وتسامح مهمة للعالم، لاسيما لبلدان المشرق العربي والمنطقة، حيث تعرضت المجتمعات غير المسلمة لمضايقات في ظل صعود خطاب التطرف والتزمت والإرهاب خلال الأعوام الأخيرة الماضية. ويتصف المجال الثقافي والفني والفكري والعلمي والتربوي في دولة الإمارات، بالتنوع والثراء والتعددية والكثافة والحيوية، لاسيما المسرح والنشر والتعليم والسينما والمتاحف والفنون التشكيلية والتعليم الجامعي. وكما تساهم هذه القطاعات بنصيب كبير في محاربة التشدد والتزمت والتطرف، فهي تقدم دليلاً آخر على جدية التوجهات والسياسات التي تنتهجها الدولة فيما يخص السعي لتكريس ثقافة التنوع والاعتراف بالآخر، سواء أكان دينياً أم ثقافياً أم حضارياً. وفي هذا المجال أيضاً، لابد من الإشارة إلى العدد الكبير والمتزايد من فروع الجامعات العالمية في دولة الإمارات، والتي أصبحت تستقطب عشرات آلاف الطلاب من الإماراتيين والأجانب، مثل جامعات السوربون ونيويورك وبرمنغهام. وكذلك المتاحف العالمية، وعلى رأسها متحف جوجنهايم الذي أصبح منبراً عالمياً للفنون والثقافة المعاصرة، وقبله متحف اللوفر الذي يحتفي هو أيضاً بمختلف الثقافات في جميع أنحاء العالم، والذي كشف فيه، أول أمس الثلاثاء، كلٌ من البابا فرنسيس وإمام الأزهر الدكتور أحمد الطيب، عن قطعٍ فنية من مقتنياته تعرض ويُعلن عنها لأول مرة، وهي قطع دينية تتصل بمختلف الأديان والثقافات، وتعود إلى عصور مختلفة من التاريخ البشري. إن التنوع الديني والثقافي في دولة الإمارات، حيث تتعايش بكل سلاسة وود نحو 200 جنسية على أديم واحد، وحيث يتجلى النجاح الباهر للدولة في إدارة هذا التنوع الكبير لخدمة التطور الإنساني والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، هو ما شد انتباه الكثيرين للتجربة الإماراتية المتفردة وأثار إعجابهم بها، وفي مقدمتهم قداسة البابا نفسه، والذي قال في كلمة ألقاها خلال اجتماع الأخوة الإنسانية في «صرح زايد المؤسس»: «إن هذا البلد الذي تعانق فيه الرمالُ ناطحاتِ السحاب، يبقى تقاطعاً مهماً بين الشرق والغرب، بين شمال الأرض وجنوبها، ويبقى مكاناً للنمو، حيث الفسحات التي لم تكن مأهولةً في السابق لكنها تقدم اليوم فرص عمل لأشخاص من أمم مختلفة». كما أكد في المناسبة ذاتها أهمية استلهام النموذج الإماراتي في بناء هويات منفتحة بإمكانها تجاوز الانغلاق على حدود الذات الضيقة. ممكنات الحوار الحضاري وفي ظل استحضار تلك الحقائق والمعطيات الشاخصة، كان من الطبيعي أن تصبح دولة الإمارات، بتوجهها الحضاري المستنير والقائم على الإيمان بالتنوع وحق الآخر الثقافي والديني في الاختلاف والتباين، منارةً للتسامح والتعايش والاعتدال، وبلداً راعياً لأهم الجهود والمبادرات من أجل الحوار بين الحضارات والثقافات، وهو واقع الحال بالفعل. وتتويجاً لسنوات من الجهود والسياسات المخلصة والمتواصلة على طريق نشر ثقافة التسامح والأخوة الإنسانية، وتخليداً لذكرى الزيارة التاريخية المشتركة التي أداها لدولة الإمارات البابا فرنسيس وشيخ الأزهر، ولدورهما في إنجاز «وثيقة الأخوة الإنسانية»، أمرَ صاحبُ السمو الشيخ محمد بن زايد بتخصيص مساحة أرض في جزيرة السعديات لتشييد معلم حضاري جديد باسم «بيت العائلة الإبراهيمية»، لكي يرمز وجوده إلى حالة التعايش السلمي، وواقع التآخي الإنساني الذي تعيشه مختلف الأعراق والجنسيات من العقائد والأديان المتعددة في مجتمع الإمارات. لقد أثبتت الزيارة البابوية للإمارات واقعاً حقيقياً وأكدته مرة أخرى، أي منجزات الجهد الإماراتي ونجاحاته فيما يخص محاربة التطرف والتشدد والإرهاب، والعمل على نشر ثقافة التسامح والتنوع الفكري، وسعيها المتواصل من أجل الدفع بحوار الحضارات والثقافات وتكريس التعايش والتعاون الإنساني إلى آفاق أكثر اتساعاً ورحابة.. لكنها أيضاً (أي الزيارة) فتحت الباب واسعاً لممكنات جديدة في مجال الحوار الحضاري والديني، وأكدت أن دولة الإمارات ماضية بلا تردد ولا تأخر في رهانها الصائب دوماً على خيار الحوار والتعايش والتسامح والاعتراف بالآخر الديني والثقافي. لقد مثلت الزيارة حافزاً إضافياً للسير خطوات أسرع وأشواط أبعد وأوسع في هذا الأفق، وأضافت مزيداً من الإنارة والوضوح والأمل والحلم في الطريق والتوجه نحو الهدف، أي إرساء مرتكزات التعاون الإنساني والأخوة الإنسانية، تكريساً لما يجمع البشر ولما تحقق ويتحقق لصالحهم وصالح العالم أجمع، ألا هو السلام والتعاون والحوار والأخوة الإنسانية. لقد حدث ذلك بفضل التصميم على تطوير الحوار الإسلامي المسيحي، والذي أرادت له قمة «الأخوة الإنسانية» في أبوظبي هذا الأسبوع، انطلاقةً جديدة أقوى وأكثر حيوية ونجاحاً، لصالح تعزيز «تحالف الخير والمحبة»، والذي يُؤمَل أن يصل بأهدافه إلى شاطئ التحقق المنشود، في تطور نوعي يعطي إشارة أمل قوية أخرى لمستقبل الحوار العالمي بين الثقافات وإقامة تحالف الأديان، وهو أمل يعززه ذلك الحضور المتنوع لممثلي مختلف الديانات في مؤتمر الأخوة الإنسانية بأبوظبي، وقبل ذلك إرادة إشاعة روح الحوار وثقافة التسامح لدى قيادة الدولة، وإيمان الإنسان الإماراتي بنهج السلام والحوار والتعدد والتعارف والاعتراف بالآخر.. فأهلاً وسهلاً بتحالف الخير والمحبة. الحوار الإسلامي المسيحي ظهرت إلى حيز الوجود فكرة «الحوار الإسلامي المسيحي» في ستينيات القرن الماضي، وفي السبعينيات تم تنظيم لقاء إسلامي مسيحي حاشد في ليبيا، شارك فيه مئات المفكرين. ثم أطلق الأزهر حواراً إسلامياً مسيحياً في منتصب الثمانينيات، وأسس مركزاً لحوار الأديان عام 2015. وقام قادة عرب عدة بزيارة للفاتيكان خلال السنوات الماضية، كما قام البابا فرنسيس في عام 2017 بزيارة للقاهرة، وشارك في مؤتمر للحوار الإسلامي المسيحي. كما نظمت دولة الإمارات مؤتمرات وفعاليات عدة، لإعلاء قيم الحوار بين الأديان، كان منها ملتقى «تحالف الأديان من أجل أمن المجتمعات» الذي عقد دورته الأولى في نوفمبر الماضي.
مشاركة :