نفطة (تونس) - اختارت اللون الأصفر لون رمال الصحراء، شكلها يوحي إلى قوس النصر بباريس لكنها ليست كذلك؛ هي البراطيل المنتصبة عند مداخل الأزقة في منطقة الجريد بالجنوب الغربي التونسي تحديدا في مدينة نفطة الملقّبة بالكوفة الصغرى، شاهدة على حقبة من الزمن لم تصبغها العولمة بألوانها الجديدة المختلفة. وإن تأخر الاحتفال بها، فإنه لأوّل مرّة يقام مهرجان “إحياء براطيل نفطة” بالمدينة العتيقة أيام 6 و7 و8 من الشهر الجاري. وضمت التظاهرة التي تنتهي فعالياتها الجمعة العديد من العروض الفنية لفنانين شعبيين وندوات فكرية تطرقت إلى تاريخ نفطة وعاداتها وورشات ومعارض للوحات فنية تؤمّها جمعية “ألوان بلا حدود”. ويقول بوبكر منفّد مدير المهرجان، إن المهرجان يهتم بالاحتفالات التي كانت تعمّ البراطيل مثل الاحتفال بطقوس عاشوراء مع ارتداء الملابس التقليدية التي كان يرتديها سكان البراطيل قديما، وتنشيط المكان بواسطة فرق فلكلورية.ويضيف منفّد أن الهدف من المهرجان تهذيب وإصلاح بعض البراطيل التي أصبحت مهددة بالاندثار بإمكانيات بسيطة، لافتا النظر إلى أهميتها وإعادة مكانتها ورمزيتها في وجدان أهالي المدينة وزوارها وإضفاء الحيوية على المدينة العتيقة وسوقها ودكاكينها، على ألا يتم اقتصار السياحة في نفطة على منطقة “عنق الجمل”؛ المنطقة الصحراوية التي اكتسبت شهرتها السياحية بعد تصوير فيلم “حرب النجوم”. ونبّه إلى أن الوضع الراهن للبراطيل خطير ووجب إصلاحها، فالمارّة أصبحوا يشتكون من إمكانية سقوطها في أي لحظة وبالتالي إمكانية حدوث إصابات في صفوف المارّة. وعدّد منفّد تحديات المهرجان وأهمّها إنجاح دورته الحالية وضمان حضور جماهيري محترم، وحول دعم وزارة الثقافة للمهرجان شرح أنه دعم مالي هام لكنّه غير كاف وأن العديد من الأطراف قدمت مساعدات مادية ومعنوية ضمن فريق المهرجان. وتهدف هيئة المهرجان من خلال هذه التظاهرة الى البحث عن دعم مالي يمكنها من ترميم أكبر عدد ممكن من البراطيل وزيادة برمجة دورات أخرى للمهرجان بعروض جديدة ومدّة أطول تمتدّ لأسبوع بدلا من ثلاثة أيام في دورته الأولى. فرادة المعمار المهرجان مناسبة لتسليط الضوء على فرادة الفن المعماري في مدينة نفطة خلال البراطيل التي شهدت فصولا من التظاهرات سواء في المدينة العتيقة “علقمة ” أو في الأحياء القديمة الأخرى، كحي الشرفة حيث تم تنظيم كرنفال تنشيطي يجوب المدينة العتيقة وعروض صوفية للفرق الطرقية بنفطة وتوزر. ويبيّن المهندس المعماري عبدالستار مجوري ابن الجهة، أن البراطيل بنيت على الأنهج القديمة الضيقة تتضمّن قوسين واحد عند بداية النهج وآخر عند نهايته يبنيان بالآجر المحلي الأصفر أو ما يسمّى بالقالب. ويستعمل خشب النخيل المُجفّف لتسقيف ما بين القوسين ثم تغطى بالطين والرمال الحمراء وليست الصفراء كخليط يوضع فوق الخشب، وتكون المسافة بين الخشبة والأخرى 50 سنتيمترا، وفي صورة بناء طابق ثان فوق البراطيل فإن المسافة بين الخشبة والأخرى تقل إلى 30 سنتيمترا مع توفير ميزاب فوق السطح بمثابة قنوات تصريف لمياه الأمطار يقع اعتماده فوق القوس عند البداية وعند النهاية وأحيانا أخرى في شكل سيالة على اليمين واليسار. وأوضح مجوري أن هذا الموروث المعماري الفريد من نوعه في أرض الجريد كان متواجدا منذ عهد الرومان في إيطاليا التي تحافظ عليه حتى الآن، حيث بنيت بعض الأقواس لكن ليست بنفس الشكل الذي شيّدت به براطيل نفطة.أما في العراق فنجد أن نفس مواد البناء توارثت بين البلدين وهو ما جعل نفطة تُلقّب بالكوفة الصغرى، لتشابه النمط المعماري بينها وبين الكوفة العراقية. وأشار إلى أن المستطيلات الصغيرة الصفراء استعملت لتغليف الأسوار والمباني من الخارج وحتى المراقد في العراق وأطلق عليها اسم الطابوق وتوشّحت بها أيضا البراطيل في نفطة. حسب ما قال خالد العقبي، رئيس جمعية حلقة نفطة للثقافة والإبداع لـ”العرب”، يعود تاريخ بداية هذه البراطيل إلى حوالي القرن الـ17 مع بداية تشكّل المدينة العتيقة، وتسمية برطال تعود إلى كلمة “portail” الفرنسية وتعني الباب الكبير. وذكر العقبي أن وجهاء المدينة دأبوا على تشييدها كعلامة على الثراء والقدرة المادية والمكانة الاجتماعية. وهو ما يُفسّر أن معظم البراطيل في نفطة تُسمّى باسم لقب عائلة الشخص الذي بناها ويقع مسكنه بداخلها. وقال خالد العقبي إنه إضافة إلى الوجاهة، فإن السبب الذي من أجله أقيمت البراطيل هو توفير الظل لعابري السبيل، بما أن نفطة تشهد صيفا حارا، والبراطيل تحمي من أشعة الشمس الحارقة وتعمل كمُكيّف طبيعي يمنح هواء منعشا. ومن المهام الاجتماعية الأخرى التي تقوم بها البراطيل هي جعلها فضاء للالتقاء والتواصل الاجتماعي والتسامر بين رجال الحي أو العائلة الكبيرة. ويقول العقبي إن الرجال من سكان الحي يلتقون للتسلية من خلال الألعاب الشعبية في أوقات الفراغ عادة حيث يجلسون للعب “الخربقة”، وهي لعبة ذهنية معروفة في بلدان المغرب العربي، تتم في الجنوب التونسي بالحجارة ونواة النخيل ورسم رقعة على الأرض بخانات تشبه خانات رقعة الشطرنج. ويتناوب اللاعبان على ملء جميع مربعات الرقعة عدا المربع الأوسط، وتنتهي المباراة حين يتمكن واحد من اللاعبين من محاصرة قطع المنافس وجعله غير قادر على التحرك بين المربعات. وللحكواتي منزلته الخاصة في مجلس الرجال تحت البرطال من حين إلى آخر يتولّى لساعات مهمّة القاصّ للروايات بأسلوب مشوق لا يقدر عليه إلا القليلون، واندثر الحكواتي اليوم من مدينة نفطة بعد تحول اهتمام الشباب إلى المقاهي وعالم الإنترنت. وتمثل البراطيل أيضا فضاء للأفراح حيث يجتمع الرجال بينما تكون النساء داخل المنزل. ويقول سعيد اللموشي الذي عايش مجد البراطيل إنه يحنّ إلى تلك اللقاءات التي كانت تضجّ حياة؛ حيث كان الرجال يجلسون على الدكّات تحت البرطال، وهناك من يفترش الأرض لمن لا يجد مكانا على الدكّة من أقارب وجيران وأصدقاء وحتى القادمين من الحارات المجاورة. وبحسب اللموشي، فإن أغلب الأوقات التي تطيب فيها الإقامة في البراطيل هي صباحا وليلا بعد صلاة العشاء مباشرة للتسامر والحديث وتبادل الروايات والنكت، وخاصة النقاش حول صابة التمور والحديث عن تلقيح النخيل وغيره من الأعمال التي تتطلبها الواحة، وهي مورد رزقهم الوحيد في الماضي.أما في العراق فنجد أن نفس مواد البناء توارثت بين البلدين وهو ما جعل نفطة تُلقّب بالكوفة الصغرى، لتشابه النمط المعماري بينها وبين الكوفة العراقية. وأشار إلى أن المستطيلات الصغيرة الصفراء استعملت لتغليف الأسوار والمباني من الخارج وحتى المراقد في العراق وأطلق عليها اسم الطابوق وتوشّحت بها أيضا البراطيل في نفطة. حسب ما قال خالد العقبي، رئيس جمعية حلقة نفطة للثقافة والإبداع لـ”العرب”، يعود تاريخ بداية هذه البراطيل إلى حوالي القرن الـ17 مع بداية تشكّل المدينة العتيقة، وتسمية برطال تعود إلى كلمة “portail” الفرنسية وتعني الباب الكبير. وذكر العقبي أن وجهاء المدينة دأبوا على تشييدها كعلامة على الثراء والقدرة المادية والمكانة الاجتماعية. وهو ما يُفسّر أن معظم البراطيل في نفطة تُسمّى باسم لقب عائلة الشخص الذي بناها ويقع مسكنه بداخلها. وقال خالد العقبي إنه إضافة إلى الوجاهة، فإن السبب الذي من أجله أقيمت البراطيل هو توفير الظل لعابري السبيل، بما أن نفطة تشهد صيفا حارا، والبراطيل تحمي من أشعة الشمس الحارقة وتعمل كمُكيّف طبيعي يمنح هواء منعشا. ومن المهام الاجتماعية الأخرى التي تقوم بها البراطيل هي جعلها فضاء للالتقاء والتواصل الاجتماعي والتسامر بين رجال الحي أو العائلة الكبيرة. ويقول العقبي إن الرجال من سكان الحي يلتقون للتسلية من خلال الألعاب الشعبية في أوقات الفراغ عادة حيث يجلسون للعب “الخربقة”، وهي لعبة ذهنية معروفة في بلدان المغرب العربي، تتم في الجنوب التونسي بالحجارة ونواة النخيل ورسم رقعة على الأرض بخانات تشبه خانات رقعة الشطرنج. ويتناوب اللاعبان على ملء جميع مربعات الرقعة عدا المربع الأوسط، وتنتهي المباراة حين يتمكن واحد من اللاعبين من محاصرة قطع المنافس وجعله غير قادر على التحرك بين المربعات. وللحكواتي منزلته الخاصة في مجلس الرجال تحت البرطال من حين إلى آخر يتولّى لساعات مهمّة القاصّ للروايات بأسلوب مشوق لا يقدر عليه إلا القليلون، واندثر الحكواتي اليوم من مدينة نفطة بعد تحول اهتمام الشباب إلى المقاهي وعالم الإنترنت. وتمثل البراطيل أيضا فضاء للأفراح حيث يجتمع الرجال بينما تكون النساء داخل المنزل. ويقول سعيد اللموشي الذي عايش مجد البراطيل إنه يحنّ إلى تلك اللقاءات التي كانت تضجّ حياة؛ حيث كان الرجال يجلسون على الدكّات تحت البرطال، وهناك من يفترش الأرض لمن لا يجد مكانا على الدكّة من أقارب وجيران وأصدقاء وحتى القادمين من الحارات المجاورة. وبحسب اللموشي، فإن أغلب الأوقات التي تطيب فيها الإقامة في البراطيل هي صباحا وليلا بعد صلاة العشاء مباشرة للتسامر والحديث وتبادل الروايات والنكت، وخاصة النقاش حول صابة التمور والحديث عن تلقيح النخيل وغيره من الأعمال التي تتطلبها الواحة، وهي مورد رزقهم الوحيد في الماضي.وتابع العقبي أن الطابع المعماري تغيّر بشكل جذري وشبه سريع بتعويض الآجر المحلي بالآجر الأحمر وبالأسمنت والحديد، لتنتشر المباني العصرية منذ الفيضانات التي شهدتها مدينة نفطة سنة 1990 والتي أدّت إلى تضرّر العديد من البراطيل. وشدّد العقبي على ضرورة ردّ الاعتبار لمثل هذه المعالم التاريخية والحضارية التي توثق لجانب من الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية الصاخبة، مُحذّرا من إمكانية اندثارها نهائيا. ودعا إلى إدراج البراطيل من قبل المعهد الوطني للتراث كمعالم تراثية مع تدخّل جمعية صيانة مدينة نفطة من أجل حمايتها من الاندثار. وأكد أن دور وزارة السياحة يتمثل في اعتماد وكالات الأسفار للبراطيل كمسلك سياحي يتوافد عليه السياح الأجانب والمحليون بغاية إعادة الحركية إليها. وسبق أن ناشد المجتمع المدني بمدينة نفطة والعديد من الجمعيات كجمعية حلقة نفطة للثقافة والإبداع، وزارة الثقافة في مراسلات التدخّل بصفة عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البراطيل. وانطلقت قبل الثورة تحديدا في 2008 أشغال صيانة ما تداعى للسقوط من براطيل والحفاظ على الخصائص المعمارية للمنطقة، إلا أن هذه العملية شملت عددا محدودا منها فيما بقيت البقية بلا إصلاحات. ويصعب حصر عدد البراطيل في مدينة نفطة سواء الجيدة حالتها أو التي تترنّح بسبب كثرة عددها وتواجدها في أغلب الأحياء على غرار علقمة والشرفة والمواعدة، مما يتطلب دراسة دقيقة من سلطات الإشراف لحصر عددها. وفي السنوات الأخيرة ومع التطور العمراني، هجر عدد من السكان منازلهم الكائنة داخل البراطيل، في حين غادر آخرون المدينة واستقروا بالعاصمة التونسية أو في بلدان أوروبية خاصة فرنسا، بعد أن قلت الموارد الاقتصادية وأصبحت الواحة لا توفر المداخيل الكافية للعائلة، وبعضهم غادر لمواصلة الدراسة، كما أن بعض الورثة أهملوا براطيلهم وتغاضوا عن ترميمها. ويأمل البعض من الشباب في أن تستعيد مدينتهم ألقها ويتم استغلال المنشآت التاريخية، خاصة وأنها كانت وجهة للعديد من المخرجين في صناعة الأفلام والمسلسلات.
مشاركة :