صراع التربية: ما بين العادات والدين والاندماج في المجتمع الجديد

  • 2/8/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تعرّض و يتعرّض اللاجئون بعد وصولهم للبلد الجديد وبعد معاناة الحرب و طريق الهجرة إلى صدمات متوالية على أصعدة متعددة. و هذا يحدث بغض النظر عن الخلفية الثقافية والاجتماعية و الاقتصادية والدينية للأشخاص، ولكن اختلاف هذه العوامل يؤثر بشكل مباشر في شدة هذه الصدمة  مدة تأثيرها وآثارها على الفرد وعلى العائلة وبالتالي طبعًا القدرة على الاندماج في المجتمع الجديد. من المعلوم أن الإنسان يحتاج للشعور بالانتماء والقبول من المحيط ليشعر بالاكتفاء ويتمكن من الإنتاج. حيث أن الفرد يميل لأن يكون مشابهًا للآخرين في محيطه، هذه نفسها الفكرة هي التي يعتمد عليها مروّجو ماركات الموضة ومسوّقو المواد الاستهلاكية. من أهم التحديات بالنسبة للقادم إلى بلد جديد وبعيدًا عن الثقافة الأصلية للبلد الأم، وأخص بالذكر اللاجىء بسبب خصوصية الرضوض النفسية التي مرّ بها وكون هجرته لم تكن على الغالب اختيارية، هو أن يُشعر أطفاله بتوازنه وأن يعطيهم الشعور بالأمان ومن ثم ما يسمى " تربيتهم"، وأضعها بين قوسين بسبب تفاوت واختلاف تعريف كلمة تربية! ففي حين يقوم  هذا المفهوم في السنوات الحديثة و بدرجة أكبر في الغرب، على تهيئة الطفل ليكون قادرًا على الحياة، مستقلًا معتمدًا على نفسه قادرً على اتخاذ قراراته بمفرده، تعني في دول الشرق الأوسط في غالبية المرات ضبط انفعالاته و كبت رغباته التي تخالف التقاليد و الشرع، أضف إلى ذلك الحماية المبالغة أو فرض الطاعة العمياء من باب ضرورة إرضاء الوالدين. وبين هذا و ذاك، يقف القادم الجديد حائرًا يتساءل دومًا: ما العمل؟ لأن ترك الطفل أو المراهق للنهج الغربي في التربية يعني بمفهومه ضياعه و"فلتانه" ليفقد دينه و دنياه! في سياق العاصمة الألمانية، برلين، التقيت بـ(ن.ع)، وهي امرأة محجبة، والتي أخبرتني أن ابنتها تسألها بشكل دائم عن سبب عدم حجاب المعلمات،  فتجاوبها أنهن أحرار فيما اخترنه، وسيدخلن الجنة أيضاً. و لكنها تحرص دومًا أن تبحث في الانترنت عن طرق تربية من مصادر عربية محافظة لتضبط هذه الأمور. كما أخبرتني صديقتي الألمانية التي تعمل كمدرّسة عن ذاك الأب الذي توقف عن الحديث مع ابنته المراهقة لأنها تتحدث مع زملائها الفتيان في الصف. من الجدير بالذكر أن عدد كبير من القادمين الجدد يهددون بناتهن المراهقات و يطلبون منهن عدم الحديث مع الفتيان في الصف المدرسي و عدم الاختلاط بهم/ الأمر الذي يؤدي بهن إما إلى الانعزال في المدرسة أو أن يعشن حياة مزدوجة، إحداها أمام الأهل والأخرى في المدرسة! على سبيل المثال، أذكر في أول سنة لي في ألمانيا كانت ابنتي، وكان عمرها في ذاك الوقت 13 عامًا، تحكي لي عن فتاة محجبة بعمر 16 عامًا في صفوف الترحيب، وهي صفوف يتم فيها استقلال الطلاب اللاجئين في المدارس العادية لتعليمهم اللغة حتى يتم تهيأتهم للصفوف العادية. فيها، كانت الفتاة تسأل ابنتي دومًا عن سبب عدم حجابي! وتستنكر هذا الى أن جاء يوم وطلبت من ابنتي أن تزوّر ورقة وأن تكتبها باللغة الألمانية، وكأنها من إدارة المدرسة لتخبر الأهل أن هناك رحلة لمدة ثلاثة أيام. فاستغربت ابنتي و سألتها: "لماذا؟ ماذا ستفعلين بها؟"، ضحكت الفتاة وأجابت: "صياعة"! إن هذه الفتاة هي ضحية ضغط وَضَعَها في مكان تعيش فيه حياة مزدوجة. حدثتني ر.م، وهي طالبة طبّ أسنان في ألمانيا، أنها تتمنى لو تنزع غطاء الرأس لأنها لا تشعر بانسجامها معه وقد فكرت أن تخلعه في الجامعة و تعود لترتديه أمام أهلها ولكن الحياة المزدوجة أمر لا تتحمله! و لنضع بعين الاعتبار أنها طالبة جامعية ومع هذا لم تستطع الخروج عن طوع والديها بحكم التقاليد والعادات. أقوال جاهزة شاركغردمن أهم التحديات بالنسبة للقادم إلى بلد جديد وبعيدًا عن الثقافة الأصلية للبلد الأم، هو أن يُشعر أطفاله بتوازنه وأن يعطيهم الشعور بالأمان ومن ثم ما يسمى " تربيتهم"، وأضعها بين قوسين بسبب تفاوت واختلاف تعريف كلمة تربية! شاركغردوبين هذا و ذاك، يقف القادم الجديد حائرًا يتساءل دومًا: ما العمل؟ لأن ترك الطفل أو المراهق للنهج الغربي في التربية يعني بمفهومه ضياعه و"فلتانه" ليفقد دينه و دنياه! شاركغردعدد كبير من القادمين الجدد يهددون بناتهن المراهقات و يطلبون منهن عدم الحديث مع الفتيان في الصف المدرسي و عدم الاختلاط بهم/ الأمر الذي يؤدي بهن إما إلى الانعزال في المدرسة أو أن يعشن حياة مزدوجة، إحداها أمام الأهل والأخرى في المدرسة! شاركغردلا نستطيع أن ننكر أن ما نحمله من ثقافة احترام للكبير وتعاطف وتكاتف عائلي هو ميزة يسعى الكثير من الأهل، و أنا منهم، أن لا يفقد أبناءنا قيمتها و نحاول أن نخلق طريقة تربية جديدة تدمج الجميل من كل ثقافة. لا نستطيع أن ننكر أن ما نحمله من ثقافة احترام للكبير وتعاطف وتكاتف عائلي هو ميزة يسعى الكثير من الأهل، و أنا منهم، أن لا يفقد أبناءنا قيمتها و نحاول أن نخلق طريقة تربية جديدة تدمج الجميل من كل ثقافة، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أمرين؛ الأوّل هل تعريف الجميل من العادات هو نسبي؟ و من الذي يحدد الجيد الذي يستحق أن نبقي عليه والسيء الذي لابد أن نتخلى عنه؟ و الأمر الثاني، هل فعلًا هناك مرونة كافية عند الأهل لتقبّل أمور قد تكون خارجة عن المنطق الديني والمجتمعي ليشعر الطفل أو المراهق بأنه ينتمي للمكان الجديد دون أن يفقد تميزه كحامل لثقافة مختلفة تحمل معها عدد من الإيجابيات. من المهم أن لا ننسى أن الحرية الدينية هي من أهم حقوق الإنسان، ولكن في نفس الوقت كيف يمكن للأهل موازنة ما يؤمنون به من ثوابت دينية تضبط تصرفات ومظهر أبناءهم وبين محيطهم الذي قد لا يحبذ صحبتهم. كيف يمكن أن يشجعوا لدى الطفل الاستقلالية والاعتماد على  النفس دون أن يفقد حب العائلة والتزامه بها؟ هي معضلة يكاد لا تخلو جلسة نسائية من الحديث عنها في هذا البلد الجديد. هذه التدوينة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي رصيف22. رشا الخضراء طبيبة أسنان، سورية فلسطينية تعمل في ألمانيا في الصحافة والإعلام وتقدّم ورشات عمل في التواصل الثقافي للقادمين الجدد إلى ألمانيا. عملت مع إذاعة Deutschlandfunk Kultur كمذيعة في برنامج "سورمانيا" باللغة الألمانية والعربية، كما أسست من عامين قناة يوتيوب، تتناول فيها المواضيع الاجتماعية التي تخص القادمين الجدد أو مواضيع تسعى لكسر الحواجز بين الثقافات المختلفة في المهجر. اشتركت في عدد من النقاشات في صحافة المنفى وتقوية وتدعيم المرأة ومكافحة العنصرية لدى عدد من المؤسسات. أم لثلاثة فتيات. كلمات مفتاحية أوروبا التربية الحجاب الدين اندماج عادات وتقاليد لجوء التعليقات

مشاركة :