سالم عبدالغفور – بعد مرور سنوات طويلة على الأزمة المالية التي طالت السوق الكويتية، وتمثلت أبرز ملامحها في قطاع الاستثمار، ظهرت مؤشرات ايجابية تدعو إلى التفاؤل بمستقبل القطاع، فقد عادت مستويات الأصول المدارة في نهاية 2018 إلى نفس مستوياتها تقريباً منذ عشر سنوات. وكان حجم الأصول المدارة من قبل شركات الاستثمار قد سجل ادنى مستوى له في عام 2012، قبل أن يقفز إلى 20.6 مليار دينار العام الماضي، رغم خروج نحو 34 شركة من السوق، ما يعني أن شركات الاستثمار قد استعادت جزءاً كبيراً من الثقة المفقودة فيها في أعقاب الأزمة، لكن هل نجحت في استعادة ثقة البنوك فيها؟ في المقابل، تراجع حجم القروض الممنوحة من قبل البنوك لقطاع الشركات المالية غير المصرفية «شركات الاستثمار» من 2.8 مليار دينار في 2009 الى مليار دينار فقط في 2018، فهل هذا مؤشر على استمرار أزمة الثقة بين القطاع والبنوك؟ أكد مسؤولو شركات الاستثمار أن قطاع الاستثمار شهد تغيُّرات كبيرة خلال السنوات الماضية كلها ايجابية وتدعو إلى التفاؤل، رغم تراجع عدد الشركات الاستثمارية، وظهور هيئة أسواق المال كجهة رقابية، وتطبيق معايير محاسبية جديدة منها معيار محاسبية مثل رقم 9، ومتطلبات بازل 3، فضلاً عن رقابة أكبر من الملاك. وأشاروا إلى ان معظم الشركات أعادت النظر في مفهوم عملها، واتجهت نحو التخصص والاندماج. من جانب آخر، قالت مصادر استثمارية إن تحفظ البنوك في تمويل شركات الاستثمار لا يزال قائماً، مما دفع شركات إلى تحويل نشاطها أو التحول إلى قابضة، وصولاً إلى تصفية بعضها. خروج شركات قال الرئيس التنفيذي لشركة المركز المالي الكويتي مناف الهاجري إن تراجع الأصول المدارة قبل عودتها إلى الارتفاع في السنوات الماضية يعود إلى سببين رئيسيَين، الأول خروج عدد كبير من الشركات من قطاع الاستثمار، والثاني عدم توافر سياسة واضحة للدولة تجاه القطاع. وأشار الهاجري إلى أنه رغم تعافي القطاع المالي فإنه لم ينل حظه بسياسية اقتصادية حكومية تدعمه، في ظل غياب سياسة واضحة لتفعيل دور صناديق الاستثمار المحلية في رؤية الكويت 2035، خصوصاً تلك المدعومة من قبل هيئة الاستثمار والمؤسسات الوطنية الأخرى مثل مؤسسة البترول و«التأمينات»، بما يسهم في إعادة ثقة المستثمرين ويحقق انتظاماً في تدفق السيولة في السوق، مشيراً إلى أن خطة التنمية صامتة تماماً عن أسواق المال والقطاع المالي غير البنكي رغم أهميته الملحة في معالجة تأخر إنجاز الكثير من المشروعات. ولفت الى أن هناك شعوراً متزايداً بين اللاعبين الرئيسيين في بورصة الكويت من شركات استثمارية مرخصة وصناديق ومحافظ بانحسار الثقة في البورصة من قبل المؤسسات الوطنية بسبب التركيز على جذب المستثمر الأجنبي، على الرغم من أن المرحلة الحالية تتطلب تمكين صناديق الاستثمار المحلية وهي من أهم صناع السوق الطبيعيين، وهو أمر لا يتأتى سوى بتضافر جهود جميع المؤسسات الحكومية السيادية التي عرفت تاريخياً بدعمها للصناديق والسوق. وأكد أهمية السعي إلى تحقيق نمو في الاستثمار المحلي بقدر النمو في الاستثمار الأجنبي من أجل تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة على المدى الطويل، لافتاً إلى أن دخول المستثمر الأجنبي قابله خروج لـ«المحلي»، لا سيما في الفترة من 2013 إلى 2018، محذراً من مخاطر التركيز على المستثمر الأجنبي وحده. ورغم تأكيده أهمية توجُّه البورصة وهيئة الأسواق إلى تعزيز الابتكار والتنوُّع في البيئة الاقتصادية والأدوات المالية، شدد على ضرورة تمكين سوق نقدية قوية مدعومةً بصناديق استثمارية قوية، تستطيع تعظيم فرص نجاح طرح أدوات استثمارية متقدمة. ولفت أن السوق المالية في الكويت حالياً تحلق بجناح واحد هو البنوك فقط، أما الجناح الثاني فهو أسواق مالٍ متطورة «صناديق وسندات وشراكة ومشروعات صغيرة» فهو غائب في ظل غياب رؤية واضحة للقطاع المالي، فعدد الشركات الاستثمارية الفاعلة قليل، ولا خصخصة ولا رؤية مساندة لصناديق الاستثمار، والمشروعات الصغيرة تحرُّكُها بطيء رغم الامكانات المالية لصندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ونوه إلى أن الجمع ما بين الاستهلاك والاستثمار في سلة واحدة من قبل الحكومة لا يجوز اقتصادياً، فكيف يتم الخلط ما بين بنود الرواتب مع «الاستثمار» ضمن صندوق الاحتياطي العام؟ وكيف يتم تقليص الاستثمار لتعويض زيادة الرواتب «الاستهلاك»؟. وحول تراجع القروض الممنوحة من قبل البنوك للمؤسسات المالية غير المصرفية، قال الهاجري إن شركات الاستثمار الجيدة استعادت ثقة البنوك كلية وانجلى عنها غبار الأزمة، مرجعاً انخفاض القروض الى تراجع عدد الشركات من جهة وإعادة هيكلة الكثير من الشركات لمديونياتها. نمو الأصول من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة كامكو للاستثمار فيصل صرخوه إن نمو الأصول المدارة يعني عودة الثقة لقطاع الاستثمار مع الأخذ بالاعتبار أن عدد الشركات الاستثمارية انخفض، وخروج هيئة أسواق المال كجهة رقابية، وتطبيق معايير محاسبية جديدة منها معيار محاسبية مثل رقم 9، ومتطلبات بازل 3، فضلاً عن رقابة أكبر من الملاك. ولفت الى ان العديد من الشركات الاستثمارية غير المجدية خرجت كلياً من السوق بعدما تراجعت أصولها المدارة او تلاشت، وانقطع عنها تمويل البنوك. ولفت إلى أن المنافسة داخل القطاع المالي بشكل عام والاستثماري بشكل خاص شرسة، في ظل تسارع التكنولوجيا وطفرة المعلومات وسهولة تحرُّك الأموال، ما أدى إلى انخفاض الرسوم والعمولات، وهذا الأمر يزيد صعوبة المنافسة بشكلٍ متواصل. ونوه إلى أن الكثير من شركات القطاع أعادت النظر في مفهوم عملها، واتجهت نحو التخصص، إذ ليس كل شركة قادرة على إدارة إصدار سندات أو استحواذات أو اكتتابات عامة، وهنا تأتي أهمية الكيانات الكبيرة. وأشار الى أن البدائل أمان شركات القطاع باتت محصورة إما في الاندماج لتكوين كيانات أكبر قادرة على توفير منتجات متنوعة للعملاء، وإما في التخصص في قطاعات معينة، وإما في الخروج كلياً من السوق. وفي الوقت نفسه، فإن المتطلبات الرقابية التي تقوم الشركات بتطبيقها والتي تجعلها قادرة على المساهمة في المنتجات التي تطرحها، تتطلب قدرات مالية اكبر، فليس كل شركة -مثلاً- قادرة على إدارة اصدار سندات او استحواذات او اكتتابات عامة، وهنا تأتي أهمية الاندماجات والاستحواذات لخلق كيانات كبيرة قادرة على المنافسة. وأكد صرخوه أن الأوضاع داخل قطاع الاستثمار تطورت نحو الأفضل، فالحصافة والشفافية اصبحتا أكبر وبات من الصعب العودة إلى الممارسات السابقة خلال سنوات ما قبل الأزمة. وحول تمويل شركات القطاع، قال صرخوه ان انخفاض قيمة القروض لا يعني غياب الثقة لكنه يشير أيضاً إلى تغير هيكلي في عمل الشركات للتركيز نحو إدارة الأصول والاستثمار المباشر، ولم يعد الأمر كما كان في السابق شركات تحصل على تمويل للاستثمار في مجالات تختلف بشكل كبير عن نشاطها، لافتاً إلى أن البنوك استغرقت وقتاً طويلاً لتقليص تعرُّضها على شركات الاستثمار من هذا النوع. ثقة أكبر من جانبه، قال مصدر مصرفي إن البنوك باتت أكثر ثقة في تمويل الشركات بما فيها شركات الاستثمار وأكثر استقراراً مقارنة بمرحلة ما بعد الأزمة المالية، خصوصاً عامَي 2009 و2010، فالأمور أصبحت أكثر وضوحاً، خصوصاً في ما يتعلق بالشركات المتعثرة، فبعضها تعافت ومن لم تستطع خرجت. وأشار أن الشركات ينطبق عليها معايير الاقتراض المتعارف عليها وتسعي البنوك لإقراضها، مبينا أن البنوك تركز على نموذج أعمال الشركة وحصتها السوقية ونوعية الإدارة وخبراتها السابقة وسلامة الأهداف الإستراتيجية وتوافر الإمكانات والخطط اللازمة لتحقيق الأهداف والالتزام بنموذج أعمالها، والأهم من ذلك توافر رأسمال المناسب والعوائد المالية وتدفقات نقدية مستدامة كافية للسداد في الفترة المحددة للتمويل. مؤشرات إيجابية 1 – نمو الأصول المدارة. 2 – خروج الشركات غير المجدية. 3 – عودة ثقة البنوك في تمويل الشركات الجيدة. 4 – كثير من الشركات اتجهت نحو التخصص. 5 – تركيز أكبر على إدارة الأصول والاستثمار المباشر. 6 – زيادة ملحوظة في الحصافة والشفافية. 7 – رقابة أكبر ومعايير محاسبية أكثر تشدداً. 8 – توجه أكبر نحو الاندماج لتكوين كيانات كبيرة. 9 – الصمود أمام المنافسة وتراجع الرسوم والعمولات. 10 – ركوب موجة التكنولوجيا لتلبية متطلبات العملاء. أهم المعوقات 1 – غياب سياسة واضحة لتفعيل دور صناديق الاستثمار في رؤية 2035 2 – شعور متزايد بانحسار الثقة من قبل هيئة الاستثمار و«التأمينات» في البورصة 3 – التركيز على جذب المستثمر الأجنبي مقابل خروج المحلي 4 – خلط حكومي بين الاستهلاك والاستثمار ضمن صندوق الاحتياطي
مشاركة :