الرباط - حاولت جماعة العدل والإحسان المغربية استغلال هامش الحرية الذي يسمح به القانون المغربي لعقد اجتماعات ذات طابع سياسي، ولم تنجح هذه المساعي إذ أغلقت السلطات منازل كانت تستعملها الجماعة المحظورة لاستضافة “تجمعات عامة غير مرخصة”. وأكد رشيد لزرق الباحث في العلوم السياسية، في تصريح لـ”العرب”، أن جماعة العدل والإحسان تتجه إلى استخدام مجال الحريات قصد عقد تجمعاتها المكثفة بعيدا عن أعين السلطات، عبر توظيف المجال الخاص لعقد تجمعات خاصة وأنشطة سرية. واعتبر أن رد فعل جماعة العدل والإحسان على قرار غلق منازل تابعة لأعضائها هدفه تجنب أي صدام مع الدولة. وشدد لزرق على أن التنظيمات الإسلامية ومن بينها جماعة العدل والإحسان باتت في مأزق وأنها تعي أن أي مواجهة مع الدولة ستكون مغامرة غير محسوبة النتائج. وأشار الباحث المغربي إلى أنه لا يمكن التعويل على الضغط الأميركي كما كان الأمر إبان ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، والذي قامت سياسته في المنطقة على تشجيع وصول الإسلاميين إلى السلطة في سياق ثورات ما سمي بـ”الربيع العربي”. وكانت السلطات المغربية قد قامت بإغلاق البعض من المنازل التابعة لأعضاء جماعة العدل والإحسان بكل من القنيطرة وإنزكان وعين الشق بالدار البيضاء. واعتبرت الجماعة القرار الرسمي “خطوة عدائية وانتقامية غير مبررة قانونيا وسياسيا”. لكن السلطات بررت قرار الإغلاق بأن الأعضاء الثلاثة المنتمين إلى الجماعة قد قاموا بـ”عقد اجتماعات عامة غير مرخصة”. وقالت الجماعة، الجمعة، “إنّ الدستور والقانون والمواثيق الدولية تعطي الحق لأي مواطن في استضافة من يشاء من الضيوف في أي وقت يشاء وكيف يشاء، لأنها اجتماعات خاصة في أماكن خاصة”. واعتبرت مصادر مطلعة أن خطوة الدولة جاءت بناء على الصلاحيات القانونية المخولة للسلطات وفي احترام تام للمقتضيات القانونية والتنظيمية المعمول بها. وكان الغرض من فتح تلك المنازل هو العبادة، الأمر الذي يتناقض مع أحكام القانون المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي. وعلق فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان على قرار غلق المنازل بأن “هدف السلطات من تشميع بيوت أعضاء الجماعة هو استفزازنا ومحاولة جرِّنا إلى ردود فعل، لكننا لن ننجر خلف هذه الاستفزازات”. وأضاف بأن هذا القرار “يعكس منهجية في التعامل مع جماعة العدل والإحسان، وليس معزولا عن الحرب المتواصلة عليها منذ إنشائها”.لكن مصدرا حكوميا قال إن الدولة تصنف جماعة العدل والإحسان كـ”جماعة غير قانونية”، ومع ذلك فهي تشتغل في حدود معينة لا يمكن تجاوزها وإلا يكون الرد من حجم التجاوز. ويعد إغلاق السلطات المحلية لمنازل البعض من أعضاء الجماعة ومن بينهم أمينها العام محمد العبادي منسجما مع الصلاحيات التقديرية الممنوحة للسلطات المحلية بموجب القانون. وشددت قيادة جماعة العدل والإحسان في بيان تلاه عبدالواحد المتوكل رئيس الدائرة السياسية للجماعة، في ندوة صحافية عقدت بمنزل العبادي الجمعة، على استهداف السلطة للجماعة. وقال المتوكل “بالنسبة إلينا الأمور واضحة، النظام يريد أن يسقط هذا التيار المعارض الذي نمثله، لأنهم يرون في جماعة العدل والإحسان قوة تأطيرية تشتغل بدينامية قوية، رغم الحصار والعراقيل.. لذلك يريدون إخراسنا”. ورغم تأكيد الجماعة على أن المنازل التي شملها قرار الغلق مأهولة، ويملك أصحابها كافة الوثائق الإدارية، في إشارة إلى أن “القانون والدستور يجرمان الإغلاق باعتباره تجاوزا خطيرا وانحرافا كبيرا في استعمال السلطة”، إلا أن مصادر مطلعة رأت أن تلك المنازل لا تتوفر فيها مواصفات المنازل المأهولة وإنما تم استغلالها كأماكن للعبادة ومقرات لتنظيم الاجتماعات. وتؤكد المصادر أن جماعة العدل والإحسان خرقت أحكام قانون التجمعات العمومية الصادر في العام 1958، لاسيما المادة الثالثة منه والتي تنص على احترام القوانين قبل الإقدام على عقد أي اجتماع. كما أكدت عملية المعاينة بكل وضوح أن بنايات الجماعة كانت عبارة عن أماكن للعبادة ومقرات لتنظيم الاجتماعات، تم التحايل بشأنها على أساس أنها منازل خاصة وتم تسجيلها باسم أعضاء الجماعة. وكانت السلطات الأمنية قد أصدرت قرارا في 25 مايو 2006 بتشميع بيت العبادي في مدينة وجدة، إضافة إلى بيوت قيادات أخرى بالمدينة نفسها ومدن أخرى. وما فتئت الجماعة تخرج في كل مناسبة ببيانات ومواقف تعبر فيه عن رأيها في العديد من القضايا والملفات. لكن الجماعة ورغم وفاة زعيمها الروحي عبدالسلام ياسين في العام 2012 لازالت لم تتخذ خطوات متقدمة لتجاوز ما هو روحي وتربوي في أيديولوجيتها في اتجاه الملفات السياسية. ويقول متابعون للشأن السياسي في المغرب إن سلوك الجماعة التقليدي وهيمنة جيل الزعيم السابق هو ما يحول دون التحول من الدعوي إلى السياسي. ورغم أنه لم يثبت أن أحد المنتمين إلى جماعة العدل والإحسان كان ضمن تنظيمات إرهابية، إلا أنها تدعو صراحة إلى ما تسميه “القومة”، الثورة ضد الأنظمة وإقامة “الخلافة على منهاج النبوة”. وتزعم الجماعة أنها لا تعارض التحالف مع مخالفيها أيديولوجيا، في الوقت الذي ينتقد أمينها العام المرجعيات اليمينية والاشتراكية والليبرالية ويصفها بـ”الفاشلة”. ووفق مراقبين فإن الجماعة لا تعرف ماذا تريد بالضبط، وما يزيد ضبابية في مواقفها أنها تدعو حينا إلى “القومة” وحينا آخر تلجأ إلى التمسك بالحوار مع من يخالفها كسبيل لحل المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويقول مراقبون إن عقد اجتماعات داخل منازل معدة في الأصل للسكن بمثابة تحايل على القانون وطريقة غير مقنعة في التواصل تحيل إلى العمل السري، وأيضا تثير الشكوك حول طرق تمويل تلك البنايات التي ثبت أن إيجاراتها مرتفعة.
مشاركة :