هاشم عبدالعزيز ماذا تريد تركيا من العرب؟ هكذا سؤال ليس جديداً، لكنه صار أكثر حضوراً جراء تداعيات السياسة التركية تجاه المنطقة العربية، وهي سياسة ازدادت بصورة عدائية في صورة أطماع بدلاً من المصالح المشتركة، وفي استهداف لكل ما هو لصالح العرب عوضاً عن حسن الجوار. والأمر هنا ليس تحاملاً، لأن تركيا لا تترك نفسها ما يقلل من سفور هذه السياسة العدائية لمجالاتها وجبهاتها الواسعة. فقواتها العسكرية تتغلغل في الأراضي السورية والعراقية، تستبيح السيادة الوطنية في البلدين تحت مظلة الدعاوى الأمنية لتعيد إلى الأذهان فترة الاحتلال العثماني الذي جرى تسويقه تحت مظلة دينية، والذي ساد في المنطقة العربية بمظالم جائرة وظلام العزلة والتخلف والفساد والجوع.تكرس تركيا، سياسة استهداف مصر بكل الأشكال التآمرية الاستخباراتية، لا لأن هذا البلد أجهض مشروع الدولة «الإخوانية» ذات التبعية لتركيا على أنقاض الهوية الوطنية والعربية لهذا البلد العربي الكبير وحسب، بل وللحيلولة دون أن تنهض مصر وتستعيد ريادتها الطليعية عربياً، ودورها الاستراتيجي المرتبط بمصالح وحقوق الأمة العربية، وما يهم عالمنا الدولي في استقراره وسلامه وعالمنا الإنساني في ازدهاره.تتدخل تركيا في الشأنين الليبي واليمني، ويتركز دورها في إجهاض كل المحاولات لإخراج البلدين من أزماتهما المتفجرة بوضع مصير شعبيهما بيد جماعة «الإخوان»، وهي تزرع حقول الألغام المتفجرة في طريق استعادة البلدين لعافيتهما وانتصارهما على ما لحق من الإجهاض التركي «الإخواني» بالانقلاب على الشرعية الدستورية في اليمن، وانهيار الدولة الليبية، ومن تلك الحقول الملغمة قاطرة إمدادات الأسلحة لأتباعها التي تخوض حروب الاحتلال التركي، كما هو شأن الجماعات المرتبطة بالسياسة الإيرانية في اليمن التي أجهضت أعظم مشروع يمني تاريخي لبناء الدولة المدنية، الضامنة للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.ولعل الخلاصة في هذا الشأن أن السلطة التركية، تمارس الانتقام تجاه مصر، لهزيمتها المشروع «الإخواني»، الهادف إلى تحويل مصر إلى التبعية التركية، وتجاه اليمن التي ظل شعبها في مقاومة متواصلة ضد الإمبراطورية الاستعمارية العثمانية، وإلى هذا وذاك استمرار استجرار النزعة الاستعمارية التركية في المنطقة العربية الذي كان الانتصار عليها انعتاقاً بالنتيجة، وأصدق ما يؤكد هذه الحقيقة، أن تنصب تركيا نفسها وصية على العرب، ومن هنا تستهدف أي توجه عربي عربي ناهض، والأدلة كثيرة؛ إذ إن مصر وغيرها من الدول العربية، مستهدفة من تركيا من زاوية كبح النهوض العربي، واستقلالية الشؤون العربية.تلعب وتتلاعب تركيا بأوضاع العرب المتردية، وهي تغذي الخلافات وتطفئ نيران حرائقها بأعواد الثقاب، وأبرز تعقيدات الأزمة الخليجية كان بانحشار تركيا المبتذل، الهادف إلى تعميق الانقسامات العربية، والذي كان شاخصاً في دور تركيا بوجود وتداعيات الانقسام السياسي الفلسطيني، بما لحق من أضرار بحياة الفلسطينيين ومخاطر على القضية الفلسطينية.الدولة الأردوغانية، حولت المؤسسات الدستورية إلى ديكورات ملونة، وسياسة قمعية وتقسيمية وتدميرية وتصفوية. فتخبط السياسة التركية له شواهد، من ذلك تقسيم القبارصة، واستهداف القدرات العربية، وتصفية الأكراد، والأهم من كل هذا سقوط الادعاء بالانتصار لقضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وسفور هذا السقوط بخديعة انقلاب أردوغان، على نفسه الذي فتح موجة قمع وحشية لصفوة المجتمع التركي الفكرية من أساتذة الجامعات والمثقفين والشباب والضباط والقضاة والناشطين في الحقول الإنسانية والأخلاقية والحقوقية في عملية وحشية، وموجة تضليلية يستحيل التصديق أنها كانت مواجهة لانقلاب عسكري، لأن صناع الرأي لم يكونوا في ثكنات عسكرية.السؤال الآن: إلى أين سيمضي هذا الاندفاع التركي بعد تقسيم القبارصة وتدمير العرب وتصفية وقمع الأكراد؟ إن الأمر لا يحتمل الأحلام، لكنه في ذات الوقت لا يحتمل التجاهل والاستهبال والاستهتار.العرب، سينهضون ولو واجهتهم المؤامرات والتحديات، لأن هذا أمر يقوم على وجودهم وإمكاناتهم وحقوقهم التي لن تبقى رهينة المؤامرات التركية، ومن بين عوامل هذا النهوض ما للعرب من إمكانات مالية واقتصادية واستثمارية.سيجد الأتراك أنفسهم الآن أمام كشف حساب سنوات خداع أردوغان التي تقود إلى وضع تركيا في أكثر من قفص اتهام إزاء أكثر من قضية وفضيحة.
مشاركة :